Tuesday 15th april,2003 11156العدد الثلاثاء 13 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
في التسويق المسافي
د. فارس محمد الغزي

هناك دول تحبها عن طريق السماع غير انك قد تكرهها بمجرد الزيارة، في المقابل هناك دول قد تكرهها سماعاً ولكن كراهيتك لها عن بعد سرعان ما تتحول إلى حب جارف عن قرب.. أقصد بعد زيارتها.
وأعتقد أن وطننا الحبيب يقبع في قوائم الفئة الثانية ألا وهي الدول التي لا تحظى بالحب إلا بعد الزيارة، فطبيعتنا لا شك جد جميلة وقادرة على أن تمتلك مشاعر الآخرين بمجرد أن تسنح لهم فرص القرب منا ومعرفتنا عن كثب، غير أنه من المحال أن يقوم كافة سكان الكرة الأرضية بزيارتنا لكي نحصل منهم على ما نحن أهل له من حب وتقدير.
السؤال إذن كيف لنا أن نحوز على حقنا هذا من دون شد رحال وتجشم صعاب ووعثاء سفر؟!.. أعتقد أن أمر ذلك بأيدينا وأول شرط لنيل ذلك هو أن نعترف أولاً بأننا لا نجيد «تسويق» ذاتنا الثقافية في وقت تمتلك فيه هذه الذات كافة مقومات التسويق بل الاستهلاك حتى الثمالة حباً جما. وفشلنا في تسويق هذه الذات ليس إلا جزءاً من فشلنا فيما يعرف حديثا ب«التسويق المسافي».. كالتلفون والبريد والانترنت وخلاف ذلك، فنحن «حسّيون وكمّيون» في آن: حسيون لأننا لا نعير «المعنوي» -الملموس بتأثيره غير المحسوس بذاته- الأهمية التي يستحقها، ونحن كمّيون لا نرى غير كمية المتجسد أمامنا ولا نجيد التعامل كيفيا مع «الغائب» عن الأنظار فنستحضر حضوره مثل قدرتنا على التعامل معه فيما لو كان واقفاً أمام أنظارنا بكميات لحمه وشحمه وحواسه.
إننا لا شك نمتلك الصحيح.. بل بالأحرى نحن نمتلك الأصح غير أن الملكية شيء والنجاح في تسويقه شيء آخر، فنجاح تسويقه يستلزم أن نعصر خلاصته.. نستخلص رحيقه.. فنشرب هذا فكرا ونتشرب ذاك سلوكاً وممارسة على أرض الواقع المعاش، بمعنى أن النجاح في تسويقه خارجياً يستلزم النجاح في تسويقه داخلياً وإلا فالبدهي يقول إن فشلك في تسويق شيء ما (اليك).. إلى ذاتك أحرى بأن يدفع بك إلى أحضان الفشل الذريع حين تسويق هذا الشيء إلى غيرك..
ختاماً كيف نجح أوائلنا في توصيل الحقيقة في وقت لم تكن فيه وسيلة السفر -بأنواعه- متاحة مثلما هي متاحة الآن؟ وانبثاقاً من حقيقة اننا - رغم توفر كافة الوسائل - فشلنا في تسويق أعظم ما تنزل من السماء وأطيب ما مكث في الأرض.. فمتى يا ترى سوف نفعل؟ لا سيما في ضوء الحقيقة المتمثلة في أن أمانة هذا «التسويق» لا تقتصر على الدنيا فقط بل إنها أيضاً تمتد إلى الآخرة؟!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved