* جدة - علي السهيمي:
بالرغم من ان هنالك متابعين بل ومتسابقين على أخبار الحرب ومتلهفين على جديدها اليومي واللحظي دائماً يوجد هناك أناس بعيدون عنها يعرفون ان هناك حرباً قائمة ومستعرة لكن ظروفهم ومعيشتهم ودروبها أبعدتهم عن متابعة تلك الحرب ونأت بهم أحوالهم عن مجرد السؤال عن أحوال الحرب والمكتوين بنيرانها. «الجزيرة» استطلعت هذه الفئة المنصرفة عن أخبار الحرب الدائرة والمنشغلة بالبحث عن لقمة العيش بعيداً عن جثث القتلى فماذا قالوا؟
التقينا أولاً مع أحد سائقي سيارات الأجرة «الليموزين» الباكستاني أشرف نورزاه فقال: أدري بكل تأكيد عن الحرب ولكني لا أتابعها بالقدر الكافي فأنا أعمل على هذه السيارة (الليموزين) من ساعات الصباح الباكر وحتى ساعة متأخرة من الليل وليس لدي متسع من الوقت سوى ساعة واحدة فقط بعد صلاة الظهر أذهب فيها للغداء عدا ذلك فأنا أقضي وقتي على مقود هذه السيارة وأعمل لمدة (14) إلى (16) ساعة يومياً وذلك لأغطي المبلغ الذي تشترطه الشركة وكذلك لأوفر مصاريف يومي.
ولذلك فلا تهمني أخبار الحرب بقدر ما يهمني أنني تركت والدي هناك في الباكستان يصارع المرض فهو مشلول وأنا ابنه الوحيد وليس لديه إلا أنا وأمي التي نذرت نفسها لخدمته وجلست بجانبه تواسيه وتسكن آلامه وهما الاثنان قد وضعا ثقتهما فيّ وعقدا أملهما عليّ حتى أني قد أجلت مشروع زواجي إلى مابعد عودتي من هذه الغربة، فما لي أنا ومال الحرب وأخبارها وماهي الفائدة التي سأجنيها من ورائها؟
أما سائق الليموزين الآخر وهو المصري صابر محمد عبده ففي أول الأمر رفض الحديث معنا قائلاً: وماذا سأفيدكم في هذا الموضوع؟ وبلهجته المصرية المحببة أردف «يابني روح عني الله لايسيئك، كثر الكلام واللطم موش هيجيب نتيجة، الناس هناك بتموت وتحترق واحنا ما حيلتنا غير الكلام» فقاطعته: يعني انت ياعم صابر تتابع أخبار الحرب أولاً بأول؟
وبعد رجاء أجابني: «حا أقولك أيه بس؟ عموماً أنا فعلاً في بداية هذه الحرب ومن قبل بدايتها أي منذ أيام المهاترات والمداولات والأخذ والرد الذي سبق اندلاعها وحتى الأيام االثلاثة الأولى لهذه الحرب كنت متابع جيد ومراقب حريص على معرفة أدق التفاصيل ولكن مع ازدياد الأمور تعقيداً وبدء التضليل والتعتيم الإعلامي وتصاريح الطرفين المتضاربة وجدت إن أحسن شيء لي أن أريح مخي وأترك هذه المتابعة لمن هم أقدر مني على صناعة القرار والرأي وأقوم وألتفت لأكل عيشي خاصة وإني مثل ماترى رجل كبير في السن وأبلغ من العمر (61) عاماً و«القرشين» التي تتوفر لي بعد حساب الشركة ينفعوا أولادي وزوجتي الذين تركتهم هناك في مصر وتغربت لأوفركم قرش فحاجتي «للقرشين» أنا وعيالي أكثر وأهم من حاجتي لمتابعة أخبار الحرب أما اخواننا في العراق الواقعين تحت وطأة هذه الحرب فربنا يتولاهم برحمته».
والتقينا بعد ذلك راعي المواشي سوداني الجنسية تاج عثمان ابراهيم حيث قال رداً على سؤالنا له عن آخر أخبار الحرب التي وردت إليه أنا والله سمعت إنه قامت حرب على العراق من أكثر من اسبوعين لكن إلى أي مدى وصلت وماهي آخر أخبارها فأعذروني لأن ذلك لايهمني بقدر أهمية محافظتي على «لقمة عيشي» من خلال هذا القطيع الذي أرعاه وأحافظ عليه لأنه أمانة وهذا عندي أهم من أخبار «الدنيا كلها» وتابع قائلاً: هذه ليست أنانية مني ولكنني أتصرف بواقعية بحتة فأنا أرى ان معرفتي بتفاصيل الحرب لن تفيدني بشيء أما أطفال ونساء العراق فالله وحده يعلم انني أدعو لهم من كل قلبي في صلواتي وقبل منامي وعند استيقاظي راجياً من رب العزة والجلال ان يتولاهم برحمته ويقف معهم ويرحم موتاهم ويشفي جرحاهم وهذا كل ما أملكه لهم.
تركنا تاج عثمان إلى راعٍ آخر وسألناه عن اسمه وجنسيته فقال اسمي عواد القيناوي عواد، مصري الجنسية وتحديداً كما قال من الصعيد ومن محافظة سوهاج يقول عواد القيناوي: يا أخي ان الحرب لعنة والعياذ بالله الحرب مثل النار حين تندلع تأكل الأخضر واليابس ولا تفرق بين غالٍ أو رخيص، صغير أو كبير، غني أو فقير ولا حتى قوي أو ضعيف، حتى المنتصر في أي حرب أو معركة وان خرج منها مزهواً بالنصر فصدقني لابد ان تلحق به بعض الخسائر في المال وفي البشر وفي العدة والعتاد.
ونحن نحمد الله بأننا بعيدون كل البعد عن الأحداث وحتى لو كنا قريبين منها فماذا سنستفيد أو نفيد به غيرنا لو اننا تابعنا أو عرفنا أخبار الحرب؟ قطعاً لن يكون لنا أي فائدة تذكر فماذا يعني لي معرفتي بعدد القتلى ومدى الدمار والخراب هل سيضيف لي شيئاً غير الحسرة والألم خصوصاً مناظر جثث الأطفال والنساء والشيوخ العز ّل وهي متناثرة هنا وهناك فالجندي أو العسكري في ميدان المعركة بيده سلاحه الذي يدافع به عن نفسه وعن تراب أرضه وآله وهذا مصيره الذي اختاره بنفسه لكن ماذنب الشعب الأعزل امرأة أو شيخ مسن أو طفل للتو يبدأ خطواته في دروب الحياة.. ماذنب هؤلاء؟ وهل أستطيع انا بعلمي ومعرفتي بذلك ان أغير في الأمر شيئاً؟ أم أنني وقت مشاهدة ذلك لن أملك حينها إلا ان أذرف الدموع متحسراً ومتلوعاً على ما حل بأولئك المساكين؟ وهذا كل مايبدي عمله.
وفي مكان آخر التقيت ببائعي الخضار والفواكه الذين يجوبون شوارع جدة بعرباتهم سعياً وراء التكسّب وأكل «العيش» هم أيضاً لايختلفون عن سابقيهم من حيث ترك المهم ركضاً وراء الأهم.
يقول بائع الخضار سعيد عبدالصمد ريمان من اليمن الشقيقة: بفضل طبيعة عملي فأنا لا أعرف الراحة أو الاسترخاء أمام شاشة التلفزيون لمتابعة آخر أخبار وتطورات حرب أمريكا والعراق ليس جهلاً مني ولا عدم اهتمام ولكن كسب «لقمة العيش» يتطلب مني أن أكون خارج المنزل طيلة الوقت الذي ذكرته لك وعندما أدخل لمنزلي بعد هذا المشوار الطويل لايكون بوسعي الجلوس امام التلفاز أو حتى قراءة صحيفة أو ما شابه لأنني أدخل وكلي تعب وكلل الدنيا يلف كل جزئية صغيرة من جسدي ومع ذلك تجدني أسأل بعض أصحابي أو رفاقي الذين يسكنون معي في المنزل وحصلت لهم فرصة مشاهدة ومتابعة الأحداث وبالتالي أحصل منهم على بعض المعلومات.
أما صديقه وابن مهنته ثابت حسن زياد فقال: ليس هناك أبشع من الحرب لذلك فإني أسأل الله ان يكفينا شرها ويبعدها عنا، ويسلط على كل ظالم ومتجبر من هو أكبر وأكثر منه ظلماً وتجبراً وقسوة.
ولكني بصراحة لست متابعاً جيداً لأخبار الحرب فكما قال لك صديقي سعيد عملنا هذا شاق ومتعب ويتطلب منا التواجد الدائم بجانب بضاعاتنا والتنقل بعرباتنا هذه من مكان إلى آخر ومن حي إلى حي آخر وتركنا للبضاعة دون تصريفها في نفس اليوم يمكن ان يؤدي إلى كسادها وفسادها ومن ثم خسارتنا ولذلك نسعى إلى بيعها في نفس اليوم حتى لو كلفنا ذلك البقاء خارج منازلنا من (16) إلى (18) ساعة ولذا لايجد الواحد منا الوقت الكافي لمشاهدة التلفزيون أو سواه ومتابعة أخبار الحرب أولاً بأول، لكننا نسأل ونستفسر عنها بشكل عام وبطريقة مقتضبة وقلوبنا في كل لحظة تتقطع حزناً وكمداً على الضحايا الأبرياء الذين يذهبون قرابين لهذه الحرب الشرسة دون ذنب اقترفوه وندعو الله ليل نهار ان يظهر الحق ويبطل الباطل وينصر المظلوم ويأخذ على يد الظالم إنه قوي قريب سميع مجيب الدعاء..
|