تعتزم الإدارة الأمريكية أن تعيد صياغة منطقة الشرق الأوسط من خلال إعادة صياغة العراق، والآن فإن العراق أصبح بين أسنان هذه الإدارة، والحقيقة أن قلة محدودة هي التي كانت تشكك في قدرة القوات الأمريكية على التغلب على الجيش العراقي بسرعة كبيرة نسبيا، بل إن الإدارة الأمريكية نفسها أثارت خيال الشعب الأمريكي بشأن الكارثة العسكرية التي يمكن أن تنجم عن استخدام العراق لأسلحة الدمار الشامل المزعومة ضد الأراضي الأمريكية نفسها فيما بعد، ولكن موازين القوة بين الجانبين تؤكد أن هزيمة الجيش العراقي كانت حتمية من الناحية العسكرية، ولكن السؤال كان هل سيقوم الشعب العراقي أو جزء منه لمقاومته أو أنه سوف يدعم المقاومة غير النظامية والعمليات الفدائية؟ ولكن الأمريكيين حققوا الانتصار السريع وانتقل الجدل الآن إلى موضوعين آخرين، الأول من الذي سيسيطر على العراق والثاني ما هي الدولة التي ستصبح الهدف التالي للقوة الأمريكية في الشرق الأوسط؟!
لقد نجح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير خلال لقاء بلفاست مع بوش في التوصل إلى اتفاق على دور «حيوي» للأمم المتحدة في العراق بعد الحرب، والحقيقة أن بلير مازال مقتنعا بقدرته على سد الفجوة القائمة حاليا بين الولايات المتحدة وباقي الدول الأوروبية على جانبي الأطلنطي، ولكن الدور «الحيوي» للأمم المتحدة لن يكون مرضيا للدول الأوروبية وغيرها من دول العالم التي تتمسك بالقانون الدولي الذي يؤكد أن سلطة قوات الاحتلال العسكري في أي دولة هي سلطة محدودة ويجب أن تتولى المسؤولية سلطة سياسية دولية مع حماية حقوق الدولة المهزومة وإلزام قوة الاحتلال بحماية موارد وممتلكات الشعب العراقي مثل البترول.
ولكن وزير الخارجية الأمريكي كولن باول خرج ليقول إن الولايات المتحدة لم تحارب وتضحي بالمال والأرواح حتى يأتي طرف آخر ليسيطر على العراق ومهما يكن فمما لا شك فيه أن الجنرال الأمريكي السابق جاي جارنر سوف يسيطر على الحكومة العراقية القادمة.
والمعروف عن جاي جارنر أنه أحد أتباع وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد ودبلوماسي سابق وتاجر سلاح حيث كان يشغل منصب رئيس شركة كبرى للأسلحة.
هذا عن السؤال الأول فماذا عن السؤال الثاني المتعلق بالدولة التي ستصبح الهدف التالي للحرب الأمريكية الحقيقة أن فكرة الهدف التالي لم تتبلور بعد في الإدارة الأمريكية ولكن مما لاشك فيه أنه إذا لم يشهد العراق مقاومة شعبية عنيفة للوجود الأمريكي أو أدى الانهيار السياسي فيه إلى اشتعال حرب طائفية تهدد استقرار الاحتلال الأمريكي فإن الإدارة الأمريكية سوف تواصل تنفيذ برنامج معسكر المحافظين الجدد لإعادة صياغة الشرق الأوسط بالوسائل العسكرية إذا لزم الأمر وهذا يعني أن تتم إقامة نظام سياسي في العراق يصبح نموذجا لتغيير أنظمة الحكم في الشرق أوسطية في حين أن كوريا الشمالية مشكلة مختلفة رغم وجودها ضمن محورالشر وفي هذا السياق يقول الكاتب شارلز كراوثمر أحد منظري المحافظين الجدد إنه إذا أصبح العراق بلدا مواليا للغرب وأصبح مركزا للنفوذ الأمريكي فإن أي وجود أمريكي في العراق سوف يمثل قوة في المنطقة تستطيع أن تساعد على تغيير الأمورفي إيران وردع سوريا.
وقد عبر هذا الكاتب عن رؤيته تلك في مقال له بجريدة «هآرتس» الإسرائيلية ويضيف كراوثمر أن هذا سوف يدعم مكانة أمريكا في العالم حتى الجيل القادم وستكون النتيجة إعادة تشكيل العالم كله لمدة ربع قرن القادم. أما نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفويتز المعروف بنفوذه القوي داخل الإدارةالأمريكية فقد لعب دورا كبيرا في تشكيل رد إدارة الرئيس بوش على هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وتحويل هذا الرد إلى اتخاذ قرار بالحرب على العراق رغم عدم وجود أي علاقة بين العراق وبين هذه الهجمات ويدعو وولفويتز المحافظين الجدد إلى بضرورة تغيير أنظمة الحكم في العالم العربي وتطبيق نظرية «قوة الفكرة الديموقراطية» ويقول منتقدو هذه النظرية أنها أيديولوجية ساذجة وخطيرة ورغم ذلك فإنه في ضوء نجاح التجربة العسكرية الأمريكية في العراق فسيصبح لهذه النظرية نفوذ كبير في الإدارة الأمريكية حاليا وهذه ليست أنباء جيدة وهناك ثلاث صفات يمكن الإشارة إليها فيما يتعلق بأيديولوجية المحافظين الجدد ورغباتهم: أنهم يتصرفون بلا أدنى خوف وساذجون وخياليون فهم يرون أن قتل الناس من أجل أفكار غير مؤكدة أمر يستحق التضحية والحقيقة أن القاعدة الأخلاقية التقليدية تقول إن الحرب تكون مبررة فقط عندما تستخدم للدفاع المشروع عن النفس.
* «إنترناشيونال هيرالد تربيون»
|