سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة
إخوتي وأخواتي قراء صحيفتنا الغراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
اسمحوا لي أن أستحوذ على حيز من منبر أقلامكم بعد أن اطلعت بوافر الاعتزاز على التعقيب الوارد بعزيزتي الجزيرة في العدد رقم 11148 وتاريخ 5/2/1424هـ من أحد أعضاء المجموعة الاستشارية التخصصية للتوحد والاضطرابات السلوكية بوزارة المعارف.
بداية أشكر الأخ الكريم عبدالله محمد الرشيد على تعقيبه الذي طال رسماً أشبع نقاشاً ومقالا غايته التواصل والمساعدة على توفير الحلول البديلة، ولهذا أقول إن القضية غير مطروحة للجدل، بل لاستعراض الحقائق ما أمكن.
وأرجو أن نتفق «ومعنا واعون كثر» على أنه ليس من باب الاستحياء أن أكون أباً لطفل توحدي، فقد جاهرت بهذا مراراً وتكراراً، وللتدليل عليه آمل الاطلاع على أعداد مضت من جزيرتنا الغراء، ولي كل الحق أن أعلن يقيني بأن الأبوة نعمة، وهذا يدفعني للرضى بشرف التكليف بعد شكر المولى على عطائه، ولعلم القارئ الكريم واستناداً لذاكرة فاعلة أفيدكم بأنني اختصصت مدير إدارة التربية الفكرية الدكتور/ ناصر الموسى بهذه المعلومة، ولم أتشرف حتى تاريخه بلقاء كاتب التعقيب الأخ عبدالله الرشيد أو حتى مجرد التحدث إليه عن أبوتي لطفل توحدي..!!
أخي الكريم، اسمح لي أن أفند ما ورد بتعقيبكم المذكور كالتالي:
1- قولكم إن ما كتبت نابع من معاناة شخصية فيه تجنٍّ على صيغة الجمع، فهي معاناة «شخصيات» عديدة لذوي الأطفال التوحديين، ومعاناتي الشخصية التي ذكرتم ما هي إلا امتداد لمعاناة إخواني وأخواتي.. التي استطال فيها رجاء العون.
2- أنا من اتصل هاتفياً بالدكتور ناصر الموسى، ولم يتصل بي هو كما أقر الأخ عبدالله في تعقيبه، وعبر الدكتور ناصر مشكوراً عن رغبته بأن أقوم بزيارة مكتبه بعد علمه بأبوتي لطفل توحدي، واشترط لزيارتي التي لم تتم أن أقوم بإخطار السكرتارية بموعد الزيارة مسبقاً، أما عن امكانية إدراج ابني «عادل» ضمن الأطفال المسجلين ببرامج التأهيل والتعليم الخاص، فقد ساق الرجل شرطاً أن يكون الطفل قابلاً للتعليم وأن يكون قد تجاوز الرابعة.. مع العلم بأنني لم أتمكن من حضور المقابلة بسبب انتقال جد عادل لأمه إلى جوار ربه.. كما أن سكرتارية الدكتور لم تسأل عن مسببات عدم الحضور ومن جهة شخصية لم أعاود الاتصال بهم!!
3- آمل أن يكون الأخ الدكتور ناصر الموسى قد اطلع على تعقيبك قبل إرساله، فأنا صحفي مؤتمن وأنقل ما قيل لي دون زيادة أو نقصان، وليكذبني الدكتور/ ناصر الموسى فيما ورد، وليس شخصكم الكريم، فقد قال لي الدكتور الموسى عند محادثتي إياه هاتفياً إن لديه «19» برنامجاً للتوحد خالية من تسجيل أي طفل توحدي..!!
4- أذكر يقيناً أن الأخ ناصر الموسى أرسل تعقيباً للعزيزة يشكر فيه والدة طفل توحدي «أم خالد» على اقتراحها توفير أخصائيين مطلعين على أحد برامج التأهيل المنزلي «Son-Rise Program».. وذات الرسالة كانت حافزاً لي لكتابة ما كتبت، بخلاف المعاناة الشخصية..!!
5- قوائم الانتظار يا أخ عبدالله، وتبعاً لواجبكم الوظيفي، أسأل عنها المراكز الأهلية التي لم تعد قادرة على استيعاب طلبات إلحاق الأطفال مما نتج عنه تأجيل قبول الكثيرين لعام أوعامين وهذا، بصفتك مختص، يعطل فائدة برامج التدخل المبكر المثمرة، علماً بأن كلفة التأهيل تصل في بعض هذه المركز إلى 4000 ريال شهرياً، ولولا عناية المولى وما نحظى به من عطاء لأيادٍ بيضاء لأصبح الكثيرون عاجزين عن تأهيل وتعليم أطفالهم التوحديين، وهذه الأيادي البيضاء في غنى عن أن يتم تعداد مآثرها، وقد قيضهم رب كريم لمساعدة أبناء هذا الوطن المعطاء.
أما عن أولياء أمور الأطفال التوحديين فقد تنازل هؤلاء بعد معاناتهم الطويلة مع الانتظار لدرجة مخاطبتكم برجاء توفير من ينقل لهم أبجديات برامج التدخل المبكر المنزلية «الحد الأدنى للاستحقاق» حفاظاً على أبناء هذا الوطن، وأسوة بما يلقاه أتراب أبنائنا وأبنائكم من عناية في بعض الدول المهتمة بالدراسة والبحث والتطوير، آخذين في الاعتبار أن شرط قابلية التعليم في كثير من الحالات أضحى أثراً لزمن غابر في ظل وجود خطط حديثة تطبق في العالم الأول منذ مطلع ثمانينات القرن المنصرم.
واسمحوا لي أن أذكر شخصك الكريم بأن المكاشفة لا تعدو كونها مطلباً تعودنا عليه امتثالاً لنهج ولاة الأمر، ومن في موقعكم لا أحسبه قادراً على الانشغال بكيل التهم من جانب وتعدد الإنجازات من جانب آخر لأنكم مطالبون بتوفير خدمات وطنية إنسانية.. آلت كما ذكرتم إلى توفير «22» برنامجاً للتوحد لم يسجل بها سوى طالب واحد فقط!!
واسمح لي أيضاً أن أذكرك بأن مراكز تأهيل الأطفال الذين يعانون من اضطرابات النمو التفاعلي «ومنها التوحد» يجب أن تكون صروحاً مشيدة لها مواقع محددة ضمن جغرافية المدن والقرى، وفي مرافق هذه المنشآت يتم تشخيص الحالة وتحديد البرنامج التربوي التعليمي والتأهيلي المناسب لها. أما أن يكون أولياء الأمور مطالبين بالبحث عمن يشخص لهم حالة طفلهم وتحديد ما إذا كان قابلاً للتعليم من عدمه.. فهذه مسألة يجب التوقف عندها كثيراً، واتباعها بتكليف من يلزم بإعادة إطلاع لجنتكم على مسؤوليتها.. لا كمالياتها..!!
ومن هنا يبرز سؤال بحاجة لإجابة، وخصوصاً إن كان لا همَّ لبعضنا سوى وصم المكاشفة بكونها مغالطة..!! إلى متى سوف تستمر بعض الإدارات التربوية في طلب معونة الأهل من خلف جدران التواصل الوهمي..؟؟
وحرصاً على مصلحة أبنائنا أقول للجنة وللأمانة وافونا «كأولياء أمور»، أثابكم الله، بالتالي:
1- مواقع المراكز المتخصصة التابعة لكم والمعنية بتعليم وتأهيل الأطفال التوحديين، حتى وإن كانت مقيدة بشرط قابلية الطفل للتعليم وتجاوز الرابعة من العمر.
2- وافونا بماهية البرامج المطبقة لمتابعة حالات التوحد على اختلافها.
3- عناوين المراكز التابعة لإدارتكم والتي يمكن من خلالها تشخيص حالات اضطراب النمو التفاعلي بالمجان، وتحديد ما إذا كان الطفل قابلاً للتعلم من عدمه.
4- وافونا بعدد المعلمين المؤهلين في مراكزكم لمتابعة حالة الأطفال التوحديين تحديداً، وإن كنت أعلم مسبقاً أن بعضهم تلقى تدريبه في مراكز خاصة اضطر القائمون عليها لمساعدتكم في تدريب مختصيكم.
وافونا بما أنجزتموه في الأعوام الماضية من ورش عمل، وما أشرفتم عليه من ندوات ومحاضرات وما أرسلتم للصحف وأجهزة الإعلام من بيانات توعوية لتعريف المجتمع باضطراب التوحد «ورب صدفة خير من ألف ميعاد.. فنحن في شهر ابريل وهو الشهر الذي يحتضن يوماً للتعريف بماهية التوحد».
6- وافونا مشكورين بأسماء مختصيكم القادرين على نقل برامج التدخل المبكر ابتداء من سن عامين ونصف العام، وتلك البرامج المعنية بالتأهيل المنزلي «قبل المدرسي».
وللعلم عزيزي القارئ فإن كل المطالب الإنسانية أعلاه تأتي في ظل عدم توفر نتائج إحصائية من الإدارة المعنية لعدد التوحديين ومنهم العباقرة «Savants» والمصنفين في بعض مراكز التأهيل الشامل كمتخلفين عقلياً.. ناهيكم عن أنه إلى يومنا هذا لم يتم الإعلان عن إحصائية من الإدارة المعنية تأتي بأرقام مغايرة لما ورد في إحصائية غير رسمية عن وجود أكثر من «45000» طفل وطفلة توحديين بالمملكة!! كما لم يتم الإفصاح عن برامج وخطط الدمج المعمول بها في ظل وجود «60» معلماً ومعلمة فقط لذوي الاحتياجات الخاصة، آخذين بالاعتبار أن كل طفل توحدي بحاجة لبرنامج مستقل يطبقه معلم أو معلمة تعنى بطفلين كحد أقصى!! وليت الإدارة المعنية رضيت بأيسر الحلول وأقربها للاحتواء.
ولا يفوتني هنا أن أذكر بأن الأمانة العامة للتربية الخاصة اعتمدت نشر عدد من الإعلانات لأولياء أمور الأطفال التوحديين بطلب إرسال بياناتهم الشخصية واسم الطفل/ الطفلة ورد فيها ما يلي:
«حرصاً من الأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة المعارف على تحقيق المصلحة التربوية لذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام وحالات التوحد «Autism» بشكل خاص ورغبة منها في إيجاد قاعدة معلومات للتعرف على الطاقات المؤهلة ذات الاهتمام بالأطفال ذوي اضطراب التوحد وأسرهم في مختلف المجالات الصحية والتربوية والاجتماعية والتأهيلية والإعلامية.. إلخ من خلال إقامة المؤتمرات والندوات واللقاءات المتخصصة في مجال التوحد من جانب، وتطوير الخطط التربوية وأساليب التشخيص من جانب آخر».
ومنذ عام تقريباً وإلى هذه اللحظة لا مؤتمرات ولا ندوات من قبل الأمانة سوى محاضرة يتيمة عقدت بمركز رواد المهارات بالرياض وعنوانها «فترة البلوغ لدى الطفل التوحدي»، كما لم يتم الإفصاح عن أي تطوير للخطط التربوية وأساليب التشخيص..!! مما قد ينطبق عليه مقولة أحد أولياء الأمور حين قال: «نحن لسنا بحاجة لإفاقة الفاكسات، نحن بحاجة لنمط من المصارحة تنتج عنه فائدة حقيقية»..!!
وهل لنا أن نسأل كيف سيتمكن الجميع من معرفة ما إذا كان وليدهم توحدياً أم لا؟ وكيف سيتمكن سكان المدن الصغيرة والقرى والهجر من قراءة إعلانكم هذا إذا تغاضينا عن إشكالية توفر الفاكس والبريد الإلكتروني في المقام الأول!!
لن أطيل.. رغم مثول أكثر مما قيل.
وتذكروا أن التواصل مطلب ألف باؤه الشفافية...
وجمعية الأطفال التوحديين قادمة للنور، بإذن الله، بجهود مباركة من ولاة الأمر وجهود إخوة وأخوات ممن ينفع الله بهم عباده.
كل الشكر لأختنا الموقرة سمو الأميرة سميرة بنت عبدالله الفيصل الفرحان لحرصها الدؤوب على تنوير الأهل، وعقد ندوات للأمهات في دارها الرحبة بصدق القلوب، وكذا ورش العمل والمحاضرات التي ينظمها مركز والدة الأمير فيصل بن فهد للتوحد في مركز الأمير سلطان للخدمات الإنسانية والتي كان لها أثر بالغ في اقتراب الأهل من أبنائهم.
والشكر موصول لكل من خدم ويخدم هذا الوطن المعطاء وأبنائه المستظلين بصدق مجتمعنا وتكاتفه.
والسلام عليكم.
عبدالله بن صايل رسام الكاريكاتير بصحيفة الجزيرة
|