من ضمن الأهدف الأمريكية الكثيرة جداً لهذه الحرب ضد العراق هو السيطرة على النفط العراقي حيث كانت أولى طلائع الحرب لاحتلال الجنوب العراقي الغني بالنفط وكما قال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول لكي «تتم حماية الآبار النفطية العراقية من الحرق». ويشكل الجنوب العراقي ما يقارب نصف العراق من حقول الرميلة التي يتجاوز عددها 500 بئر نفطي بالإضافة إلى جزر مجنون والبصرة والناصرية وهذه المنطقة الغنية بالنفط العراقي يتم تصدير النفط العراقي من خلال ميناء ام قصر ومن خلال تركيا وسوريا والأردن والسعودية سابقاً بأنابيب نفط تمتد حتى الموانئ، الآن اصبح كل ذلك متوقفاً، وتصدير النفط العراقي وصل الى الصفر خلال هذه الحرب كنتاج طبيعي لعدم الاستقرار والحرب الدائرة التي حسمت سياسياً، والعراق يمتلك احتياطياً مؤكداً من النفط يصل الى 110 بلايين برميل وهو ثاني احتياطي في العالم بعد السعودية وتشير التقديرات الى ان هناك مناطق لم تكتشف بعد كمناطق كركوك والسليمانية والموصل والشمال العراقي وغيرها وهذا يعني ان العراق قد يصل لاحتياطيات نفطية تنافس المملكة التي تبلغ 260 بليون برميل قابلة للزيادة.
منظمة «الأوبك» والتي تعدّ المسيطرة عالمياً من خلال تحديد سعر النفط وهي العامل الرئيس المرجح لأسعار النفط برفع السعر او خفضه من خلال زيادة او خفض الإنتاج طبقاً للعرض والطلب، حيث تنتج «المنظمة» يومياً ما يقارب 24 مليون برميل والطلب العالمي اليومي يصل الى 70 مليون برميل وهذا يعني ان النسبة تصل الى 35% من نفط العالم ينتج من «الاوبك» وهذا من دون دخول العراق والذي يتوقع دخوله بعد الحرب بإطار مختلف عن السابق، الاوبك ينظر لها في الإدارة الأمريكية والعالم الصناعي ككل على انها قوة باتت تملك من القوة حاليا ومستقبلاً ما ينبئ بأكثر من ذلك كثيراً مع تقلص الإنتاج الروسي والنيجيري ونضوب مصادر النفط لبعض الدول مما يعني زيادة الأهمية والسيطرة للأوبك عالميا والاوبك اصبحت تؤثر في هذه الدول الصناعية من خلال أسعار النفط فكل دولار يرتفع يعني مزيداً من البطالة والتضخم والمتاعب الاقتصادية لهذه الدول، لقد اصبحت المنظمة تشكل هاجساً كبيراً للولايات المتحدة خصوصاً، والتي تعاني ظروفا اقتصادية صعبة من ركود اقتصادي كبير وتزايد البطالة ومع ذلك تتزايد اسعار النفط مما يعني تعثر أي اصلاح اقتصادي قد يتم وهي التي تستورد من النفط الخليجي ما يعادل 24% وهي نسبة ستتزايد مستقبلا، والإدارة الامريكية تصرح علانية على ان سعر النفط المناسب هو ما بين 18 و 20 دولاراً وفي ضوء المعطيات الحالية يصعب تحقيق ذلك لتقلص مصادر النفط عالميا عدا دول محددة وخاصة الخليجية ومنها العراق، وما قامت به الإدارة الأمريكية خلال الأزمة الفنزويلية توضح بعض الأهداف حين أيدت الانقلاب الفاشل لرئيس منتخب من شعبه وهو الرئيس هوجو شافيز.
الولايات المتحدة لا تريد سيطرة «الأوبك» على الاسعار او التحكم بها مما يعيق مستقبلها الاقتصادي، ستسعى الولايات المتحدة بعد احتلال العراق وتشكيل حكومة على غرار اجتماع بون وحكومة «كارازيه» جديدة، العراق سيسيطر عليه الامريكيون نفطياً وسيتم ضخ النفط العراقي الذي ينتج قبل الحرب 2 مليون ويمكن له رفع انتاجه الى 5 ملايين خلال اشهر او سنة، مما يعني زيادة المعروض بنسب كبيرة جدا ويمكن خلق كثير من الذرائع بضخ مزيد من النفط العراقي دون الرجوع للحصة المقررة في «الأوبك» لأن العراق يعاد بناؤه من جديد ويحتاج مئات المليارات من الدولارات لبناء عراق جديد، فالحرب شنت بأموال عراقية وستسدد من أموال عراقية، وسيعاد بناء العراق بأموال عراقية ايضا، وبذلك سينخفض سعر النفط لحدود متدنية جدا قد تهوي به الى ما دون 18 دولار ولسنوات طويلة لا يعرف اين تنتهي، ويكون مصير الدول النفطية التي تعتمد في دخلها ودعم موازناتها من خلال النفط أكثر صعوبة وتأزما مستقبلاً، وهي التي تعاني عجزاً في موازناتها السنوية مع تزايد حجم الانفاق الكبير سنوياً.
الولايات المتحدة تركت الأسعار مرتفعة نسبيا خلال الحرب ولم تضخ من مخزونها الاستراتيجي الذي يقدر بـ360 مليون برميل، والتي وصلت خلال الحرب الى 37 دولاراً والان يصل الى 24 دولاراً للبرنت الخفيف وسيصل بعد تشكيل الحكومة العراقية الجديدة الى ما دون 18 دولاراً او اقل، فهي خطة مرحلية حققت أهدافها للامريكيين وستستمر لسنوات للمخزون العراقي الضخم، ولكن ما هو الحل ما المنتظر في المستقبل من تدن لاسعار النفط ولفترة طويلة جداً؟ بتصوري الحلول غير مطروحة الان في ظل الاعتماد على مصدر دخل يشكل 80% من الموازنات للدول النفطية، وهو خيار فرضه أمر واقع وقوة أكبر دولة في العالم، والجميع يرى ويشاهد ذلك، والحل الوحيد هو العمل على تنويع مصادر الدخل غير النفطية بمختلف القطاعات بخطط استراتيجية طويلة المدى، والتركيز على الكادر الوطني لبناء اقتصادي قوي.
|