* موسكو سعيد طانيوس:
الجنرالات الروس مذهولون ومصدومون من المفاجآت العسكرية في بغداد والسير السريع للأحداث العسكرية غير المتوقع في العراق. والسؤال الذي يطرح على كل شفة ولسان في صفوف قادة القوات الروسية: لماذا تم الاستيلاء على بغداد بهذه السرعة وبدون مقاومة في الوقت الذي استطاعت فيه حامية بسيطة في مدينة صغيرة كأم قصر من الصمود لأكثر من أسبوع؟» فأين الجيش العراقي والحرس الجمهوري، أين آلاف الدبابات؟، ويقول جنرال روسي يدعى سرغي ديمترفتش، لو استسلموا أو دمروا لكانت محطة «سي.إن.إن» أو «بي.بي.سي» أظهرتهم بكل السبل، لكننا «لم نر لا ضباط الجيش العراقي، ولا آلاف أو على الأقل مئات الدبابات المحطمة أو المتروكة».
ويعتقد هذا الجنرال استناداً إلى وقائع معركة بغداد التي لم تقع، ان الجيش العراقي ترك بغداد عمداً وان الحرب لم تنته حتى الآن، ويضيف جنرالات آخرون يشاركونه الرأي بأن الاستنتاج المتفائل الوحيد هو ان لا أحد يعرف أين يعاود الجيش العراقي انتشاره ثانية الآن، وان العديد من الجنرالات الروس الذين أشرفوا على تدريبه وتسليحه في يوم من الأيام يتمنون بأن يعود ليخوض قتالاً ضد القوات الأمريكية.
الجنرال ديمتري يازوف، آخر وزير دفاع سوفياتي قال ل«الجزيرة» «انه ليس آسفاً في الحقيقة لسقوط نظام صدام حسين، فالرئيس العراقي لم يسبق ان تمتع بحب السواد الأعظم من الجيش العراقي والمواطنين العراقيين لكن التحدي الذي أقدمت عليه الولايات المتحدة الأمريكية بشن حربها ضد العراق بقرار منفرد أحادي الجانب استثار واستفز مشاعر العرب المستائين من الدعم الأمريكي لإسرائيل، والتدخل في الشؤون الداخلية لدول العالم والوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، لكن الجيش العراقي أحبط آمال كل هؤلاء في التصدي العنيد لهذا العدوان السافر.
وأضاف، حرب الأسابيع الثلاثة الأخيرة في العراق أثارت موجة استياء وغضب في كافة أنحاء العالم. وجددت كراهية مختلف الشعوب لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة البريطانية، وهذه الكراهية كانت مرشحة للازدياد أكثر وأكثر مع ارتفاع عدد الضحايا الأبرياء للحرب، كما ان التظاهرات التي اكتسحت شوارع أغلبية مدن العالم كما يمكن ان تتحرك إلى أداة ضغط رهيبة على إدارة جورج بوش لو تمكن الجيش العراقي من الصمود ولو لأسابيع قليلة في بغداد.
الجنرال يازوف لا يجد جواباً شافياً لأسباب سقوط بغداد بهذه السهولة في يد الجيش الأمريكي، وهو لا يستبعد أي احتمال في هذا المجال، بدءاً من الخيانة والانهيار المريع لوحدات الحرس الجمهوري مروراً بالمؤامرة والصفقة المشبوهة وصولاً إلى قنوط القيادة العسكرية من آفاق المقاومة وعدم رؤيتها أي أفق سياسي أو عسكري لهذه المقاومة غير المزيد من القتلى والضحايا والدمار. ويقول ان مليشيات المقاومة الفلسطينية والأحزاب اللبنانية استطاعت وقف تقدم الجيش الإسرائيلي على أبواب بيروت صيف العام 1982 لأكثر من شهرين، مع ان الجيش العبري أكثر خبرة قتالية من الجيش الأمريكي ويمتلك تسليحاً مماثلاً لتسليح الجيش الأمريكي، ويتساءل: لماذا لم تستطع وحدات الحرس الجمهوري البالغ عديدها نحو 85 ألف رجل من الدفاع عن بغداد حتى لو لشهر واحد؟؟؟.
جميع الجنرالات الروس الذين استفتينا آراءهم حول أسباب انهيار المقاومة في بغداد وسقوطها السريع بيد القوات الأمريكية أجمعوا على استغراب وقائع هذا الانهيار المريع للقوات العراقية في بغداد، واعتبروا ان هذه سابقة قد لا يكون لها مثيل في تاريخ الحروب العسكرية، وقالوا ان العد العكسي لتقدم القوات الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية بدأ عند وصولها إلى مشارف العاصمة موسكو، وكذلك تلقى الجيش الإسرائيلي أولى الصفعات عند مداخل بيروت، وفي شوارعها وأحيائها، وان انهيار المقاومة في العاصمة الافغانية كابول التي لم تكن هناك قوة وقيادة منظمة تدافع عنها لا يمكن مقارنته أبداً بما حصل في بغداد التي كان الدفاع عنها موكلا لخيرة القوات العراقية ونخبتها المسماة «الحرس الجمهوري».
معظم الجنرالات الروس الذين شاركوا بشكل أو بآخر في تدريب وتسليح الجيش العراقي مازالوا يعتبرون ان هذا الجيش هو من أقوى الجيوش في الشرق الأوسط على الرغم من خسارته الفجائعية للحرب الأمريكية ضد بلاده، كما انهم لا يصدقون قول جورج بوش بأنه متلهف لتحرير العراقيين من نظام صدام. ويقولون إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية متهمة حقا بمصير العراقيين فلماذا لم ترسل جيوشها قبل عقود «لانقاذهم».
سفير روسي سابق في الشرق الأوسط يقول «ربما يكون العراقيون سعداء لأن نظام صدام حسين سقط»، «لكن ذلك لا يعني بأنهم سيكونون سعداء بأن يستبدل النظام القديم بآخر جديد مفروض من الخارج، وهذا لا يعني بأن انتهاك القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة من قبل «التحالف» بالإضافة إلى الإصابات والأضرار التي لحقت بسببهم جراء الحرب في العراق يمكن ان تغطيه ادعاءات تقول ان كل هذا حدث «من أجل قضية عادلة». ذلك يعني اننا في المستقبل القريب سنرى «مشاهد عن مجابهة بين العراقيين والمحتلين الأمريكيين لم يظهرها التلفزيون سابقاً».
|