نعيش هذه الأيام أوقاتاً عصبية تمر بها أمتنا الإسلامية بصفة عامة والعربية بصفة خاصة جراء الهجمة الظالمة على الشعب العراقي الأعزل والذي ذاق ألوان الذل والهوان تحت حكم النظام الذي يتصرف في خيرات العراق وأهل العراق منذ أكثر من ثلاثين سنة.
إن الغزو الأمريكي البريطاني على اخواننا في العراق سيترك آثاراً قوية وغائرة ستبقى لسنوات طويلة خاصة لدى الأطفال الصغار الذين يعيشون تحت أزيز المدافع وأصوات الطائرات والقنابل والصواريخ وكل أشكال السلاح الحديث الذي يستخدم لأول مرة كذلك أولئك الأطفال يشاهدون أشلاء الضحايا والجرحى ومناظر الدم والدمار والصياح والنياح والعويل وبكاء النساء والرجال الشيوخ والعجائز.
إن المناظر التي أصبحنا نراها لمعاملة أولئك الأوغاد الغزاة والذين جاؤوا من أرياف بريطانيا وصحاري أمريكا، تلك المعاملة التي يندى لها جبين الإنسان العاقل خجلاً حينما نرى الكاوبوي النجس وهو يقف عند باب منزل الأسرة المسكينة، ويخرج أفراد الأسرة رافعي أيديهم استسلاماً من رب الأسرة مروراً بزوجته وأبنائه وبناته إلى أطفاله الصغار والجميع رافعا يده مشدوهاً ويبكي وحثالة المجتمع الإنساني شاهرين أسلحتهم في وجوه أولئك العزل وكأن أفراد تلك الأسرة مجرمين عتاة. إنه منظر مؤلم لنا نحن الكبار فكيف يكون وقع مثل هذه المشاهد على أطفالنا ثم كيف سيكون أثره النفسي على أطفالنا في العراق؟
إن الآثار النفسية من أشكال الفزع والهلع والخوف والقلق والاكتئاب واضطراب الشخصية والانحراف السلوكي والحقد والكراهية والنظرة التشاؤمية نحو مستقبل مجهول سيبقى لسنوات طويلة.
إن اضطرابات القلق والهلع والفزع وما يصاحبها من أعراض الشعور بالإغماء وعدم الاتزان ومشكلات التنفس والخفقان وضيق الصدر وارتعاش الأطراف وما يصاحب ذلك من جفاف في الفم والحلق وبرودة الأطراف والتنميل والتخدر وحرارة الجسم وغيرها من الأعراض التي ستظهر كثيراً لدى أطفال العراق وغيرهم من أطفالنا الذين عايشوا وشاهدوا تلك المشاهد المأساوية يضاف إلى ذلك الكوابيس الليلية والأحلام المزعجة ومخاوف النوم واضطراباته.
لا تستغربوا حينما يصل أولئك الأطفال مستقبلا إلى مراحل من الخوف من فقدان عقولهم وعدم القدرة على السيطرة على أنفسهم وإحساسهم بالموت من شدة نوبات الفزع التي تهاجمهم وسيعيشون معها ردحاً من الزمن وسنوات طويلة قادمة.
الشعور بعدم الأمن وانتزاع الثقة في الآخرين والاضطرابات السلوكية واختلال الجهاز العصبي وتدهور الأداء والانعزال والانطواء والعدوانية والاعتمادية وفقدان الثقة في النفس وغيرها كثير سنراها تنتشر بين الأطفال خاصة بين أطفال العراق من غير ذنب جناه أولئك البراعم المقبلة على الحياة الذين كان من المفروض ان نجد فيهم القادة ورجال العلم والفنانين والموهوبين والمخترعين ورجال الأعمال الناجحين في المستقبل.
كل هذه التوقعات في أن يكونوا بناة بلد الرافدين في القادم من الزمن القريب كل تلك التوقعات ذهبت إدراج الرياح بسبب بطش وسطوة نظام الحكم في العراق لسنوات طويلة ابان حكم الجائر ثم أكمله أولئك الأوباش رعاة البقر ومدمنو الخمور والكحوليات من -علوج- أمريكا وبريطانيا.
قريباً في العراق وفي بلدان أخرى مجاورة ستغص العيادات النفسية بالكثير من الأطفال المفزوعين الخائفين والقلقين وغيرهم من الشباب والمسنين يبحثون عن علاج لمآسيهم واضطراباتهم النفسية كما ان عبارات التأهيل وإعادة التأهيل والإرشاد الأسري والخدمة الاجتماعية ودور الرعاية الاجتماعية ودورالملاحظة ومراكز التأهيل الشامل وغيرها كثير من المراكز المتعلقة بالتعامل مع وعلاج الأفراد الذين يعانون من الاضطرابات ويعيشون ظروفاً اجتماعية خاصة كل هذه المؤسسات ستزدهر ويروج سوقها بعد الحرب.
إن أمام أطفالنا في العراق وفي عدد من الدول المجاورة أياماً بل سنين عجافاً وصعبة ستحتاج إلى الكثير والكثير من الجهود والتضحيات من أجل إعادتهم إلى جادة السلوك الطبيعي، كل هذا يحصل من أجل أهداف خفية وغامضة للغزاة الأمريكيين والبريطانيين ومن شايعهم من الغربيين والمستغربين.
أخيراً لايعني حديثي هذا ان نظام الحكم في العراق أصلح وأفضل بل إنه نظام فاسد حاقد شرس لم يعرف الدين والجهاد وعبارات «الله أكبر وحي على الجهاد والشهادة» إلا عندما اشتد عليه الأمر وعرف أنه زائل لا محالة. أسأل الله العلي القدير ان يلطف بنا وبإخواننا في العراق إنه سميع مجيب وإلى لقاء.
ا د. محمد بن عبدالمحسن التويجري أستاذ علم النفس - جامعة الإمام
|