لقد تحدث إلي رقيب من مشاة البحرية الأمريكية قائلا: «لقد حظينا بيوم جيد للغاية، فقد استطعنا قتل العديد».
وأضاف: «لقد قتل العديد من المدنين، ولكن ماذا نفعل؟ «ثم برر ذلك بأنه كان هناك نساء يقفن بجوار جندي عراقي، فسقطت إحداهن بعدما فتح جندي أمريكي النار عليهن، ثم قال: «نحن آسفون بالفعل، ولكن هذه المرأة كانت في مرمى النيران».
أما بالنسبة لي فقد كان الشيء المثير في تلك القصة هو أنني سمعتها قبل ذلك، منذ ما يقرب من 36 عاما عندما أخبرني أحد المارينز أنه قتل امرأة حاملا وطفلا، فقط لأنهم كانوا «في مرمى النيران».
وقد حدث ذلك في فيتنام، وهي دولة أخرى غزتها الآلة العسكرية الأمريكية، وخلفت وراءها ما يقرب من 2 مليون قتيل والعديد من المشوهين والمعوقين إضافة إلى الدمار.
وقد وصف الرئيس ريجان تلك الحرب في ذلك الوقت بأنها «قضية نبيلة»، واليوم يصف الرئيس بوش الحرب الحالية والتي لم يستفزنا فيها أحد بأنها «قضية نبيلة» أيضا! لقد قام الأمريكيون منذ فيتنام بغزو العديد من الدول، كما سببوا معاناة كبيرة في دول أخرى كثيرة سواء بطريقة مباشرة أو على يد عملائهم، ومثلها مثل فيتنام لم يخبرنا أحد في حرب العراق إلا عن انتصاراتهم المطلقة، تلك الحرب التي وصفت بأنها أول حرب مصورة إعلاميا بالكامل.
وقد صحب الهجوم على فيتنام حملة دعائية عنصرية تزدري شعب فيتنام، فقد وصف الفيتناميون بأنهم «مغفلون سذج»، ومن المستحيل أن يقاتلوا القوات الأمريكية،وأنهم سوف يتم سحقهم في غضون أسابيع.
وكما حدث في العراق فقد تمت التغطية على مذابح الأمريكيين للأبرياء، وقد نال الجنرال كولن باول وزير الخارجية الأمريكي «الليبرالي» ترقية سريعة في تلك الحرب بعدما استطاع التغطية على المذابح سيئة السمعة التي حدثت في قرية «ماي لاي» الفيتنامية، والتي قتل فيها ما يقرب من 300 مدني غير مسلح من النساء والأطفال، ولكن في نهاية المعركة خرج الفيتناميون عن نص المعركة الهوليودي، وقاموا بطرد الغزاة ولكن بثمن فادح.
وقد فشل العراقيون في نيل الشرف ذاته وذلك لتعرضهم لسلاح فتاك لأقوى دولة في العالم، ولكن على عكس ما حدث في فيتنام جاءت الدعاية الإعلامية في الحرب الحالية ساذجة وماكرة.
وقد تم الترويج لها حول العالم وتسويقها وكأنها تجارة رائجة جديدة.
وقد صرح ريتشارد جازفورد مراسل البي بي سي المصاحب للجنود قائلا: «يجب علينا مراجعة كل خبر لدينا مع قادة الجيش، والمسؤول عن ذلك هو ضابط مكلف بالإعلام، ثم يجب عليه بعد ذلك أن يراجع الأمر مع العقيد التابع له، ثم بعد ذلك يراجعان الأمر جميعا مع قيادة اللواء في نهاية الأمر»، وما تم إغفاله أيضا فيما يتعلق بالمساعدات، هو أن الأمم المتحدة أجبرت على إغلاق نظام توزيع الغذاء في العراق تحت ضغوط من بوش وبلير، ذلك النظام الذي استطاع منع حدوث مجاعة في العراق قبيل نشوب الحرب.
أما كذب بلير بشأن أسلحة الدمار الشامل وصلة العراق المزعومة بالقاعدة فقد افتضحت ورفضتها الغالبية العظمى من الشعب البريطاني، ثم قام بلير منذ ذلك الحين باللعب بورقة «الإقناع»، فكان ملجؤه الأخير من الدعاية الإعلامية هو الدعوة لدعم «أولادنا الجنود في العراق»، لقد تدرب المتحدثون باسم القوات البريطانية على التلاعب الإعلامي بنفس قدر التلاعب الإعلامي الأمريكي .
وهناك الكثير من الكذب بشأن «الانتفاضات» في مدن العراق، ولكن الحقيقة التي لا يخبروننا بها هي أن الحصار البريطاني على البصرة خنق السكان المدنيين وسبب معاناة كبيرة للأبرياء من الرجال والنساء والأطفال على أرض بلادهم.
ولنتخيل لو أن القوات العراقية فعلت الشيء ذاته بمدينة كوفنتري الإنجليزية، وهي مقاربة من حيث المساحة لحجم مدينة البصرة، فلنتخيل حجم الغضب والمقاومة الشعبية، بصرف النظر عمن كان يجلس على الحكم في لندن. ولكن إذا لم نستطع تصور ذلك فنحن إذن قد وقعنا ضحية لكذبة كبيرة، والتي قامت بقلب الباطل حقا والحق باطلا؛ فإذا لم نستطع أن نضع أنفسنا مكان العراقيين، مكان الأسرة التي تشعر بالحزن والأسى بسبب النساء الذين قتلوا على يد الرقيب شرامب الذي قال «لقد وقفت المرأة في طريق النيران»، إذا لم نستطع فعل ذلك فنحن لدينا بالتأكيد سبب لكي نشعر بالقلق.
(*) «الميرور» البريطانية
|