لقد اجتمع المسلمون في اول امرهم على هداية إلهية عامة، وهي هداية الدين التي جاء بها القرآن، وشرحها محمد - صلى الله عليه وسلم - ودعا اليها المستعدين، وحض عليها المستجيبين، فكانوا اقوم الامم سيرة واسعدها حياة، واشرفها مظهراً يفجرن ينابيع العلم اذا فكروا، ويرفعون لواء الظفر اذا دافعوا، ويبسطون ظلال العدل اذا حكموا، كانوا خير امة جاهدت في الله فانتصرت، وغلبت فرحمت، وحكمت فعدلت وساست فأطلقت الحرية من عقالها، وسيرتها ناطقة في التاريخ، فانها استودعته من مآثرها الغر، ما بصر بضوئه الاعمى وازدهر في الارض ازدهار الكواكب في كبد السماء.
هذه حقائق لا يختلف فيها، واقوال لا مبالغة فيها، لانها نفوس تربت على كتاب ربها وسنة نبيها، الذي علمها الصبر فهان عليها كل عسير، وعلمها الشجاعة فحقر امامها كل خطير، وعلمها العزة فسمت الى كل مقام مجيد، وعلمها التواضع والرحمة، والتآزر والايثار، مما بلغها مراتب الكمال.
اذكر بمكانتهم وأسوق شيئاً من خبرهم وسيرتهم واحوالهم، وكيف نصرهم الله وثبتهم، لنقتدي بهم في حياتنا، ونأخذ من سيرتهم الدروس والعبر.
وكان احدهم لا يأمر بشيء مما امر الله به ورسوله، حتى يكون اول فاعل له ولا ينهى عن شيء مما نهى الله ورسوله عنه حتى يكون اول تارك له كما في قوله سبحانه:{مّا أّفّاءّ اللّهٍ عّلّى" رّسٍولٌهٌ مٌنً أّهًلٌ القٍرّى" فّلٌلَّهٌ وّلٌلرَّسٍولٌ وّلٌذٌي القٍرًبّى" وّالًيّتّامّى" وّالًمّسّاكٌينٌ وّابًنٌ السَّبٌيلٌ كّيً لا يّكٍونّ دٍولّةْ بّيًنّ الأّغًنٌيّاءٌ مٌنكٍمً وّمّا آتّاكٍمٍ الرَّسٍولٍ فّخٍذٍوهٍ وّمّا نّهّاكٍمً عّنًهٍ فّانتّهٍوا وّاتَّقٍوا اللهّ إنَّ اللهّ شّدٌيدٍ العٌقّابٌ } الحشر(7) وقوله جل ذكره {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا اسًتّجٌيبٍوا لٌلَّهٌ وّلٌلرَّسٍولٌ إذّا دّعّاكٍمً لٌمّا يٍحًيٌيكٍمً وّاعًلّمٍوا أّنَّ اللهّ يّحٍولٍ بّيًنّ المّرًءٌ وّقّلًبٌهٌ وّأّنَّهٍ إلّيًهٌ تٍحًشّرٍونّ } *الأنفال: 24*.
كل ذلك ليأخذ عنهم الناس القدوة والتأسي، وكان الصحابة لاستعدادهم القوي لتحمل الاسلام يحرصون على اخذ العبادات والاعمال، من فعله - صلى الله عليه وسلم - كما يحرصون على التمثل بأخلاقه والاقتداء به في معاملته لربه ومعاملته مع خلقه وعلى التأسي به في الافعال، لان الله امر عباده بذلك في
|