* دمشق - الجزيرة: عبد الكريم العفنان:
الرهان منذ بداية الحرب على العراق كان على المجتمع العراقي وليس على أي نظام سياسي، وهذا الأمر الذي كان واضحا عند السوريين لكنه بقي طوال الوقت محفوفا بالحذر مع رفضهم المطلق للحرب على العراق.
فلم يكن احد يتوقع أن ينتصر الجيش العراقي على القوات الأمريكية والبريطانية، وفي نفس الوقت لم يشعر أي مواطن سوري أن حماسه للدفاع عن العراق هو حماس للسلطة السياسية في بغداد، والمفارقة التي بدأت منذ الأيام الأولى للحرب هي حالات التنظير بين المثقفين لطبيعة موقف الشارع الذي يعارض الدخول الأمريكي للعراق، لكنه في نفس الوقت لا يستطيع أن يجد مبررا للنظام السياسي الذي أوصل العراقيين إلى دون عتبة الفقر، وعلى الاخص أن خبرة المواطن السوري مع هذا النظام السياسي تحمل ذاكرة مليئة بالدم وأعمال العنف، وفي النهاية فإن ما حدث في بغداد لم يكن عاديا أو متوقعا، فمنذ ان سقطت البصرة بدأت بعض الآراء تتحدث على أن هذا النموذج يمكن أن يتكرر في بغداد، خصوصا أن كافة المقاتلين فيها اختفوا فجأة بعد أن استطاعوا الدفاع عنها لأكثر من أسبوعين. بهذا الشكل تحول موقف الشارع السوري إلى نوع من طرح التكهنات، وإلى حالة غضب إضافي على ما حدث، ولم يستبعد الكثيرون أن تكون الولايات المتحدة عقدت صفقة مع السلطة السياسية في بغداد من أجل تسليمها.
ويبقى السؤال الأقوى ما الذي يمكن أن يحدث بعد سقوط بغداد؟ وما هي الآلية السياسية إقليميا لتجاوز حالة الفوضى بعد الحرب؟ إنه السؤال الذي يحاول السوريون إيجاد جواب عنه وسط الفوضى التي اكتنفت الموقف العسكري. الفئات العادية في سورية أطلقت سؤالا أساسيا: لماذا ينتظر الحكم في بغداد طوال هذه الفترة حتى يقوم بهذا الانسحاب؟ وهل كان من الضروري الانتظار حتى تزهق أرواح كثيرة؟ لكن هذا السؤال ربما يجد جوابا في تاريخ الحروب التي خاضتها بغداد بدءا بالحرب العراقية - الإيرانية، حيث ظهر جليا أن السلطة السياسية مستعدة للتراجع فجأة عن كل استراتيجيتها. ويتساءل صاحب أحد المحلات التجارية الذي كان جالسا يشاهد ما تبثه المحطات الفضائية: ما هو الثمن الذي ستدفعه الشعوب العربية بعد هذه الحرب؟ وقال ان أم قصر استطاعت الصمود أكثر من بغداد، لذلك فلا أحد يستطيع إقناع الناس بعدم وجود صفقة كبيرة في هذه الحرب، هذا الرأي يقابله نوع آخر من الرؤية التي يقدمها بعض المتحاورين داخل المقاهي الثقافية، حيث يتحدث احدهم على المقاومة التي ظهرت في البداية، ثم يضع ثلاثة مؤشرات ظهرت منذ اندلاع المعارك:
- الأول أن كافة الأعمال العسكرية لم نشاهد فيها عتادا عراقيا يتناسب وحجم المعركة، فالمدرعات المدمرة في جنوب العراق لا تتناسب مع قوة المعارك، مما يضع إشارة استفهام حول وجود قوات نظامية قامت برد العدوان.
- المؤشر الثاني هو ان معظم الأسرى العراقيين كانوا باللباس المدني، بينما لم تعلن قوات التحالف، أو لم تظهر ضباطا تم أسرهم نتيجة المعارك.
- أخيرا فإن صور المدافعين عن بغداد قبل يومين كانت لشباب لم يتجاوزوا 17 عاما وهم يحملون أسلحة خفيفة بينما خلت المدينة من أي مظهر عسكري.
إن هذه المؤشرات تدفع الكثير من المثقفين السوريين للحديث عن دفاع من قبل ميليشيا، بينما تم حل الجيش أو ربما هروبه بعد ان تم تعطيل آلياته، ويذكر احد المثقفين انه قبيل حرب الخليج الثانية ذهبت معظم أسراب الطائرات العراقية إلى إيران، وهي خطوة مازالت حتى الآن غير مفهومة، ومهما تباينت الآراء أو حجم الذهول الذي لف العاصمة السورية بعد أن أصبحت بغداد في مهب القوات الأمريكية، فإن الجميع يعتبر أن تاريخ سقوط هذه العاصمة سيكون تاريخا جديدا للمنطقة، وهو أشبه بسقوطها أيام هولاكو الذي أدى إلى تبدل مسرح القوى في المنطقة بشكل كامل.
|