* القاهرة - أ.ش.أ:
التحديات الهائلة التي سوف تواكب مرحلة ما بعد الحرب الانجلوأمريكية على العراق سوف تكون أشد صعوبة من حسم المعركة عسكريا حيث ترى مؤسسات أمريكية ودولية ان مهمة اعادة الاستقرار والاعمار في تلك الدولة التي انهكتها الحروب مهمة شبه مستحيلة نظرا للبنية التحتية المتهالكة ولاسيما النفطية والحاجز النفسي الذي سيحكم أطر العلاقة المستقبلية بين العراقيين والسلطة المؤقتة المناط بها ادارة شئون البلاد بعد الاطاحة بالرئيس صدام حسين.
ويشير عدد من الخبراء الاستراتيجيين مثل جيمس شتينرج الى ان العراقيين يجب ان يشعروا بأن شيئا ملموسا قد تحقق بعد الاطاحة بالرئيس صدام حسين ويتمثل ذلك الشيء في اعادة الاعمار وتحسين أحوالهم المعيشية.
وأكدوا ان السلطة المؤقتة والتي سوف تتولى زمام الأمور بالعراق في مرحلة ما بعد الحرب سوف تواجهها تحديات كبيرة ولذلك ينبغي عليها الاعلان عن التزام على المدى الطويل ببناء عراق مستقر ومزدهر وديموقراطي يضم كافة القوميات العرقية.
وقال جيمس شتينبرج ان العراقيين يجب ان يشعروا بالفارق الكبير والنتائج الايجابية التي حدثت في حياتهم المعيشية والنفسية عند المقارنة بين نظام الرئيس صدام حسين والسلطة المؤقتة التي سوف تتولى زمام الأمور بعد الحرب مشيرا الى ان الولايات المتحدة لا ينبغي عليها ان تتجاهل وعودها للعراقيين فور الاطاحة بالنظام العراقي الحالي لتحقيق الاستقرار.
وقال المحلل الاستراتيجي جيمس شتينبرج ان الولايات المتحدة ينبغي عليها تجاوز أربعة تحديات شبه مستحيلة لتحقيق الاستقرار واستكمال حسم المعركة العراقية تماما بعد الاطاحة بالرئيس صدام حسين وهي:
أولا : تمهيد الطريق لاقامة نظام ديموقراطي بالعراق ويقتضي ذلك تهيئة العراقيين اقتصاديا ونفسيا لتقبل الديموقراطية على النسق الأمريكي حيث ان الديموقراطية لايمكن فرضها بين عشية وضحاها.
وينبغي على الولايات المتحدة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتجنب انزلاق العراق الى فوضى كاملة أو شبه كاملة في اعقاب الاطاحة بالنظام العراقي ومن ضمنها استمرار المساعدات الانسانية واعادة تأهيل البنية التحتية الأساسية للمواطن العراقي والتى تدمرت خلال سنوات العقوبات الاقتصادية والحرب الحالية.
ثانيا : تحسين الولايات المتحدة لصورتها في العالم العربي والاسلامي خاصة وأن الاستطلاعات الأمريكية أشارت الى تزايد العداء والاستياء تجاه أمريكا في منطقة الشرق الأوسط التي تسعى واشنطن الى اعادة رسم خريطته لتحويله الى منطقة آمنة للمصالح الأمريكية.
ويشكك قطاع عريض من الرأي العام ولا سيما النخبة المثقفة والتي تتبنى المفاهيم الغربية في الديموقراطية وحرية الرأي بمنطقة الشرق الأوسط في النوايا الأمريكية تجاه المنطقة.
ويعتقد قطاع كبير من التيارات الثقافية وقادة الرأي في العالم بصفة عامة ومنطقة الشرق الأوسط ان الولايات المتحدة تسعى الى معاقبة الأنظمة التي تختلف معها في الرأي أو تمثل مصدر تهديد لمصالحها كالعراق وايران في الوقت الذي تتجاهل فيه الانتهاكات التي تقوم بها الأنظمة الحليفة.
ويتهم عدد من المحللين السياسيين بالدول الغربية والنامية الولايات المتحدة بتجاهل معاناة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم الذين يئنون تحت وطأة العولمة لأن تلك الخطوة تتعارض مع مصالحها.
ويرى الأوروبيون ان الولايات المتحدة لا تكلف نفسها عناء بذل مجهود لاحتواء العنف في منطقة الشرق الأوسط واجبار اسرائيل على تسوية الخلافات مع الأطراف العربية عبر مائدة المفاوضات بدلا من القوة.
وقال جيمس شتينبرج ان تصريحات الرئيس الأمريكي جورج بوش «خلال الموتمر الصحفي الذي عقده مع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير في بلفاست موخرا» احتوى على تصريحات ايجابية بشأن تنفيذ خطة خريطة الطريق لتسوية النزاع الفلسطيني الاسرائيلي إلا ان الرأي العام العربي ينتظر خطوات ملموسة على الأرض لتجسيد الوعود الأمريكية بدلا من التصريحات.
وأشار الى أن الحرب الانجلوأمريكية على العراق تعطي الانطباع بأن الولايات المتحدة تستهدف العالم العربي وتعزز من الصورة الذهنية المعادية لها في أوساط الرأي العام بمنطقة الشرق الأوسط مشددا على ان الطريق الى التحديث السياسي والاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط يقتضي احراز تقدم بملف النزاع العربي الاسرائيلي.
ويعتبر ازالة أسلحة الدمار الشامل من العالم ومنها منطقة الشرق الأوسط المهمة الثالثة الصعبة التي سوف تواجه الولايات المتحدة خلال مرحلة ما بعد الحرب رغم المخاوف التي تساور عدد كبير من المحللين الاستراتيجيين بأن الحرب على العراق سوف تدفع العديد من الدول على مواصلة برامج التسلح للحصول على أسلحة دمار شامل مثل كوريا الشمالية.
وتمثل الحرب الأمريكية الحالية ضد العراق بداية الانهيار للقواعد والمعايير التي حكمت عملية انتشار أسلحة الدمار الشامل طيلة السنوات الثلاثين الماضية والتي أثبتت فاعليتها.
وتبرر الادارة الأمريكية تحركاتها المنفردة لنزع سلاح الدول عن طريق الحرب كما في حالة العراق تحت زعم ان القواعد التقليدية التي تحكم عملية انتشار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية قد أثبتت عدم جدواها حيث تسعى العديد من الدول التي تمثل مصدر تهديد لها الى امتلاك تلك الأسلحة.
وينظر الخبراء الاستراتيجيون الامريكيون أمثال روبرت جرينبرجر الى الحرب العراقية الحالية على انها نقطة البداية لتنفيذ خطة رسم الخريطة الجديدة لمنطقة الشرق الأوسط وان من المتوقع ان يكون تنفيذها صعبا نتيجة لرفض عدد من القوى الدولية الرئيسية التحركات الأمريكية المنفردة والتي تتم خارج اطار الشرعية الدولية وتحديات أخرى.
وقد نمت خطة رسم الخريطة الجديدة «التي كانت مجرد فكرة وضع بذرتها مجموعة من المفكرين المنتمين لتيار المحافظين الجدد خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون» ببطء خلال السنوات الست الماضية.
وبعد حوادث 11 سبتمبر اتخذت الخطة الأمريكية زخما قويا حيث ينظرعدد من صقورالادارة الأمريكية للحرب العراقية الحالية على انها البداية لوضع الخطة موضع التنفيذ. ويرى عدد كبير من الدول ان الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين يقتضي مواصلة التعاون الدولي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ونزع سلاح الدول النووية لتجنب استخدامها في الحروب الحالية والمستقبلية.ورغم تعهد الدول النووية بالعمل على خفض الترسانات النووية منذ عام 2000 هددت دول دخلت النادي النووي أخيرا باستخدام هذاالسلاح لحسم نزاعاتها الاقليمية كما حدث في حالة الهند وباكستان.
ويقول محللون استراتيجيون أمريكيون ان السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية سوف يزداد في ضوء اصرار الدول النووية الكبرى على الاحتفاظ بترساناتها النووية والحروب الأمريكية المنفردة الرامية الى نزع سلاح الدول التي تمتلك «أو تسعى الى امتلاك» أسلحة دمار شامل كما في حالة العراق.
وأضافوا ان الدول التي تسعى الى امتلاك سلاح دمار شامل لن تتوقف مساعيها إلا في حالة تعهد الدول التي تمتلك تلك الاسلحة باتخاذ خطوات ملموسة لازالة أسلحتها مشددين على اهمية تدعيم التعاون الدولي في ذلك المجال والابتعاد عن التصرفات المنفردة.
ويرى المحلل الاستراتيجي جون وليامسون ان الولايات المتحدة ينبغي عليها التعهد بعدم اعطاء الأولوية للضربات الباقية واعتبارها بمثابة الخيار الأخير في محاولة للحد من سعى الدول الى امتلاك أسلحة دمار شامل.
وأضاف انه ينبغى تفعيل أدوات أخرى كبديل للضربات الاستباقية لاحتواء عملية انتشار أسلحة الدمار الشامل في العالم كالتفتيش الدولي على منشآت التسليح وفق معاهدة الحد من انتشارالأسلحة النووية وتدعيم معاهدة الحد من التجارب النووية.
وأوضح جون شتينبرج ان التحركات الأمريكية المنفردة واضعاف المنظمات الدولية لن يكونا في صالح الاستقرار العالمي مشددا على ان الالتزام الأمريكي بالعمل وفق اطار الشرعية الدولية واحترام الاتفاقيات الدولية ضرورة ينبغي على واشنطن عدم تجاهلها.
ويتمثل التحدي الرابع والأخير الذي سوف تواجهه الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب في ضرورة قيام الولايات المتحدة باحتواء الشقاق الذي ساد العلاقة بين واشنطن وحلفائها الغربيين والآسيويين لتحقيق الاستقرار العالمي والأهداف الأمريكية على المدى الطويل.
ويرى محللون استراتيجيون غربيون ان الولايات المتحدة لا يمكنها تجاهل حلفائها الرئيسيين كفرنسا والمانيا للاعتماد على دول أقل تأثيرا على الساحة الدولية لتحقيق أهدافها على المدى الطويل.
|