منذ أن أحسست بوعيي وأنا أخوض الحروب. المسافة بين الحرب والأخرى لا تتعدى ثماني سنوات. أول حرب وعيتها كانت حرب 67 التي تلقت فيها الأمة العربية شرَّ هزيمة، رغم أنها هزيمة أطاحت بالآمال العربية المختلفة إلا أن المثقفين العرب لم يكفوا أبداً عن ترديد تلك الآمال ولم يغيَّروا حتى أبسط تغيير في مفاهيمهم حتى تتكيف مع الواقع. ثم تلتها حرب 73 التي كاد العرب أن يحققوا فيها انتصارا حاسماً لكنه فقد في اللحظات الأخيرة. حتى قال البعض إن حرب ثلاث وسبعين ليست حرب تحرير، بل حرب تحريك، تمت بالاتفاق، والدليل أنها أدت إلى سلام مصري إسرائيلي منفرد، فتحولت مصر من شريك في الصراع الى متفرج، وفي أفضل الأحوال وسيط. ثم تلتها الحرب العراقية الإيرانية التي طالت وامتدت حتى دخلت على موعد الحرب التي تليها حيث قام الجيش الإسرائيلي باجتياج بيروت ومحاصرة الفدائيين الفلسطينيين، وانتهت إلى خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت إلى الأبد.
لم يسمح لنا صدام حسين أن نلتقط أنفاسنا أو نستريح قليلاً، بل دخل الكويت للإعداد للحرب التالية بعد أقل من سنة شحنت بالعنتريات والآمال الزائفة اندلعت حرب 91 وأدت إلى تحطيم الجيش العراقي وما تبقى من أفكار الوحدة العربية. انتهينا من حرب تحرير الكويت وعدنا إلى حياتنا الطبيعية، فجأة جاء شارون ليطأ المسجد الأقصى فاندلعت الانتفاضة الباسلة، وقبل أن تتوقف حرب إسرائيل ضد المدنيين الفلسطينيين شنت أمريكا حربها على أفغانستان. ما كنت سأعد هذه الحرب جزءا من حروبنا لولا أننا كنا كعرب شركاء في إنتاجها. وأخيراً وليس آخراً هذه الحرب التي نتفرج عليها على شاشات التلفزيون والتي نعرف نتائجها قبل أن تبدأ.
باستثناء حرب 73 والانتفاضة تلاحظ أن كل الحروب التي ذكرت لم تكن المبادرة فيها عربية، بل كانت المشاغبة فيها عربية.
لا أسرد هذه الحروب لأذكركم بها وإنما لأقول إن الحروب هي محطات أساسية في حياتنا كعرب، مع ذلك فقد تعاملنا مع كل حرب من هذه الحروب على أساس أنها الحرب الأولى التي نخوضها كأننا ندخلها للمرة الأولى. مع أن طريقة حدوث هذه الحروب والإعداد لها وحتى مجرياتها واحدة أو متشابهة إلى حد التطابق.
أتصور لو أن إحدى الصحف عادت لأرشيفها عن حرب تحرير الكويت ونشرت التحقيقات مع تغيير الأسماء والتواريخ لما أحس القارئ بالفرق، نفس الانقسامات.. نفس وجهات النظر.. نفس التحليلات السياسية والعسكرية، والأهم نفس الآمال الزائفة.
في كل هذه الحروب نعلم علم اليقين فرق القوة بين العدو وبين الطرف الذي يفترض أنه يمثلنا ومع ذلك نبقي باب الأمل مفتوحاً على مصراعيه، والأدهى أن كل هذه الحروب باستثناء الانتفاضة زج بنا فيها دون خيار، دون أدنى استعداد.
لا يوجد سبب واحد يجعلني أظن أن هذه الحرب هي الأخيرة، والمؤلم أكثر: لا أظن أن هذه الحرب هي الحرب الأخيرة التي سوف نهزم فيها.
فاكس: 4871017
|