بُشرى يزفها الى الشعب العراقي الذي يعيش تحت وطأة وحشية الغارات، أحد الناطقين العسكريين الغزاة يُدعى الجنرال فينست بروكس، تتضمن هذه البشرى «البروكسية الأمريكية» وعداً قاطعاً أعلنه هذا الجنرال في مؤتمر صحفي بأن يقدم الجيش الأمريكي «المسالم» عزاءً حاراً الى الأسر العراقية التي قتل أبناؤها ورجالها ونساؤها بقذائف «ديمقراطية أمريكا» والأسر العراقية التي تهدمت بيوتها وأصبحت ركاماً، وسوف يقدم هذا العزاء الحار الملتهب في الوقت المناسب، كما أكد «بروكس» أنه هو بكرمه الأمريكي المعروف سيقدم العزاء الشخصي الى المنكوبين في العراق في الوقت المناسب.
أرأيتم يا عقلاء الأرض كيف تكون «البُشرى» الأمريكية التي ينتظرها الشعب العراقي البريء؟؟، هكذا تكون الأنظمة البشرية حينما تبتعد عن منهج الله، وتغرق في مستنقعات الكفر والالحاد بعيداً عن القيم والمبادىء التي تدعو الى الرحمة والعطف، وتحقيق العدل بين الناس.
الطائرات تقصف، والصواريخ تدمر، والدبابات تدك البيوت العتيقة، في مدن العراق وقراه، والنيران تشتعل، والقنابل العنقودية وغير العنقودية، الذكية والغبية تهزُّ الأرض هزاًّ، وتزلزلها تحت أقدام الأطفال والمستضعفين وكبار السن والنساء، والجنرال يعلن في مؤتمره الصحفي بكل مودة، وعطف ورحمة «أمريكية» قاسية، انه سيقدم عزاءه الشخصي إلى بقايا ضحاياه وضحايا قوات بلده الغاشمة في الوقت المناسب.
هنالك سؤال لا يخفى على بروكس ومن وراءه لو كانوا يعقلون: لماذا كان هذا القتل والتخريب أصلاً؟ كيف يجوز قتل الأبرياء، وهدم بيوتهم، وتشريد أسرهم بحجة القضاء على شخص أو نظام؟؟، أما كان الأولى بصاحب وعد العزاء ألا يطلق نيران رشاشه، أو صاروخه، أو دبابته، أو قنبلته، حتى لا يكون هناك من يستحق هذا العزاء؟، وحتى لا تسيل الدِّماء التي ليس لها في العير ولا في النفير.
إنها حقيقة مزعجة، لولا أنها تجري أمام أعيننا لقلنا: إنها من ضروب الإغراق في الخيال.
حقيقة مزعجة أن يجري هذا القصف الهمجي على مرأى من العالم ومسمع، وأن تقوم به دولة تدعي الديمقراطية وتنادي برعاية حقوق الناس في العالم، وأن يلاقي هذه المواقف «الرسمية» الصامتة في دول هيئة الأمم ومجلس الأمن وكأن مواجهة الظلم والطغيان لا تعدو الاستنكار «الكلامي» ولا يصح لها أن تتحول إلى عمل قانوني دبلوماسي يوقف الباغي عند حده.
نعم، إنها حقيقة مزعجة صورها لي أحد الذين كانوا معجبين بأمريكا، مغرمين بها وبديموقراطيتها، ومساحات الحريات الشخصية الواسعة فيها، حيث قال: لقد تهاوى الصنم، وزالت غشاوة الوهم، وأصبحت في حالةٍ من الحيرة والاضطراب، وأسئلة المفاجأة تشتعل، أهذه هي أمريكا؟ أهذه هي الديمقراطية التي تبشر بها؟ أهذه هي رعاية الحقوق التي تتحدث عنها؟، هكذا تتحول قلعة «العولمة» إلى دولةٍ غازيةٍ متوحشة، تلقي بقوانين وأنظمة مجلس الأمن وهيئة الأمم عرض الحائط، وتدوس بقدم التطاول، ما يسمى« الشرعية الدولية» هكذا يا أمريكا يتحول تمثال «الحرية» إلى تمثالٍ مخيف للتسلط والاعتداء والغزو؟
وأنا أقول لهذا المصدوم نفسياً: نعم هكذا تكون الدولة التي تحارب دين الله الحق بانحرافاتها الاقتصادية، والسياسية، والعقدية، هكذا تكون أمريكا المستسلمة لأصحاب التعصب الأعمى والحقد والعنصرية من متعصبي النصرانية، وصهاينة اليهودية الذين يستخدمون أعظم دولة في العالم في تحقيق أهدافهم ومآربهم.
بروكس وعد بالعزاء الشخصي للعراقيين، ولكن من يعزي أمريكا في حضارتها وديمقراطيتها التي سقطعت بعد زمنٍ من الخداع والتضليل، أم أنَّ غرورها وكبرياءها لا يقبلان العزاء من أحدٍ أبداً.
إشارة:
قد يهزم الطغيان بالطغيان وعليهما غَضَبٌ من الرحمنِ
|
|