ما هي العبرة التي من الممكن أخذها مما نراه الآن على أرض العراق؟ طائرات وصواريخ تقذف حمماً على كل مكان في العراق، تدمر الأرض والزرع والمباني مع كم هائل من البشر المعوقين والمحروقين والباكين، الذين ينقلون ببطء أو على عجل إلى المستشفيات أو المراكز التي جهزت لهذا الغرض المؤلم؟ إنها الحرب، مَنْ جَرَّ هؤلاء الناس إليها؟ من الذي أعطاهم المبرر والوسيلة لتدمير كل شيء.. الناس والحجارة! في هذا الوقت يأتينا عبر الفضائيات صوت الرئيس القائد، مليئاً بالحكمة والموعظة السيئة والشعر، نعم، حاكم يقول شعراً، في وقت تتساقط فيه القنابل، على شعبه وأرضه، وكأنها مطر ساحلي! وهو لا يجد لهذا الشعب غير التوجيه بالصمود والقتال، ليستحقوا ما أطلقه عليهم، من ألقاب الأماجد والماجدات، فليس لديه غير هذه الألقاب، وفي لحظة انتهاء المعركة بالنصر أو الهزيمة، هناك كم وافر من النياشين، وهي نياشين لن تداوي معاقاً، أو معوزاً، أو أسرة مات أفرادها، جوعاً وعطشاً وخوفاً..!
من شاهد نصائح وحكم الرئيس القائد، سوف يقارن بينه وبين حكام، ضحوا بمجدهم، ومكانتهم، ليعيش شعبهم، آمناً مطمئناً، عندما وجدوا أن لا قدرة لديهم، لمجابهة عدو خارجي، شرس ومدمر، مثلما حصل في العديد من دول العالم، التي لبت، ما تريده الأطراف القوية، التي من الممكن أن تحدث أضراراً بالغة بما حققته بلدانهم، إنهم يتخذوا قرارات مؤلمة ومرة، لكن لا خيار!!
ليس هناك مستنقع، مثل مستنقع الحرب، ومع ذلك دخلها صدام حسين طائعاً مختاراً، دخلها من تحت الأرض، وبسواعد شعب أعزل، لا يملك الأسلحة الضارية، التي تمكنه من رد العدوان على بلاده، وليس عن صدام حسين، إنه فقط يملك إيمانه، بأن هذه الأرض، باتت الآن مستباحة، ولا خيار إلا الدفاع عنها، كما يدافع عن أمه، وأخته، وأبنائه، لا خيار أمامه غير ذلك وإن كانت هذه التضحيات كافة ستجير لصالح الرئيس القائد المحبوب من «26» مليون عراقي!
لقد تحولت العراق، وعلى مدى ربع قرن، إلى ساحة قتال، من أجلها تأجل كل شيء، يصب في أمن ورفاهية المواطن، ما دفع المواطنين للهجرة، إلى كل بقاع الأرض، أربعة ملايين عراقي، يعيشون الآن في الخارج، بحثاً عن الأمان، وعن لقمة العيش، وقبل ذلك كله بحثاً عن آدميتهم، وحريتهم، التي ضاعت، في غمرة انهماك النظام، في بناء مشروعه التسلطي، الذي بدأه من إيران، ثم الكويت، حتي أوصل البلد الى ما هي فيه الآن!
الذين كانوا مع النظام في بداياته، بدؤوا ينسحبون واحداً واحداً، نحو المنافي العربية والأجنبية، ولم يبق في العراق إلا الذين لا يستطيعون التنفس خارجه.. يقول الشاعر العراقي المهاجر من بلد إلى بلد، سعودي يوسف:
قال لي صاحبي: كيف تبدت لعينيك بغداد؟
قلت: المدينة بالناس
قال: ولكنهم أنت
قلت: إذن سوف أطلب أهلاً سواهم وأقصد بغداد أخرى!!
من الذي تغير، ومن الذي أجبرته الظروف على التغير..؟ إنه الزمن، زمن القمع، والبحث عن الأمجاد المجردة من الحكمة والتطلع، والمنصبة على هم واحد: مجد فردي، لا بد من تحقيقه، وتسخير كل شيء من أجله، حتى لو تم إطعام الناس صواريخ وقنابل!!
وسوف تأتينا الأيام القادمة، بالكثير من الأخبار الدامية، وكل ما نتمناه، ألا تزيد هذه الأخبار من جراحاتنا وآلامنا.. وأن تعيد للإنسان في أرض الرافدين ولو نصف ابتسامة من ابتساماته التي فقدها.
فاكس: 4533173
|