Tuesday 8th april,2003 11149العدد الثلاثاء 6 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

شدو شدو
في حقيقة الافتراضي..!
فارس محمد الغزي

«ماذا لو كتب كل كاتب ما يعتقده.. أو يحلو له.. أو يجيش بخاطره..؟!»...سؤال خيالي مصدره - لا بد - خيال واسع، أما السائلة فهي الأخت وفاء.. الطالبة في برنامج الماجستير التمهيدي/ جامعة الملك سعود وفق ما ذيلت به رسالتها.
أما الإجابة فأقول: إنه لو كتب كل كاتب ما يحلو له لفسدت الكتابة ولفسدت بفسادها الأرض. وأسباب ذلك من البداهة بمكان أن تستعرض ومن الكثرة أن تعد أو تحصى، وعلى وجه الإجمال فالمجتمعات «مراسم» بألان من ذاتها، وليس هناك من كاتب على وجه الأرض بمنأى عن التشكل وفق ألوان مرسم مجتمعه أو الاصطباغ بصبغة ثقافته بقيمها وعاداتها وتقاليدها. قد يقول قائل: ماذا عن الحال فيما لو كان الكاتب على النقيض مما هو عليه مجتمعه لأقول حتى لو كان كذلك فالمسألة هنا ردة فعل.. وردات الفعل - مهما شطحت بطبيعتها - تحتل بالحدوث الترتيب الثاني عليه، فرغم مغايرتها لما هو عليه المجتمع فهي ليست إلا وجه آخر لطبيعة الفعل «الاجتماعي» القائم، إنها بمعنى آخر نتاج لهذه الفعلة طالما كانت ناجمة عنه، ولو لم - أولاً - يتشكل هذا الكاتب بما تشكل به مجتمعه لما اتخذ - ثانياً - موقفه المغاير له، وعلى وجه العموم وحتى لو اتخذ الكاتب موقفاً تجاه مجتمعه فلا خيار أمامه إلا أن يستدعي - حين الكتابة - الألوان المفضلة لهذا المجتمع على غرار مضامين القول الشائع: «خذ قولي ولا يهمُّك عملي».. شريطة أنك تستفيد مما أقول ولا يطالك ضرر ما أفعل، إذن فالكتابة قول يجب أن تكسوه ألوان واقعه بوقائعه وتوقعاته وبناءً على ذلك يصبح سلوك هذا الكاتب هامشياً.. ويكفيه عذراً ضيق نطاقه وحكم فرديته، فقد يكتب الكاتب عن الأخلاق وخلقه على النقيض منها، وقد يغرد كتابة في سماء الأفراح وهو طريح يبكي على الأرض، أو قد ينظّر في سايكولوجية البكاء المرير وهو يرقص من السرور، بل قد تبدو مفرداته مبتسمة ابتسامة «الليث» الهصور الجائع.. وقد تغرد سطوره في وقت هو فيه «يكتب مذبوحاً من الألم».إن الكتابة دوحة رحبة.. لا حدود لرحابتها مما يمنح الكاتب حقوق التحليق تحبيراً في أرجائها المتعرجة وأجوائها المتنوعة ومناخاتها المتباينة وفق ظروف كل طقس ومناخ وتضريس، وهذه هي حقيقة الحياة التي شبهها - محقاً - شكسبير بمسرح كبير، إنسانها هو الممثل والمشاهد في آن، بل إن الحياة كما يقول أحد العلماء ليست في حقيقتها سوى مجموعة من الواجهات «Fronts» التي يختبئ خلفها الإنسان وتتمترس وراءها شخصيته الحقيقية، وبالمناسبة فكلمة «الشخصية» هنا مترجمة عن كلمة «بيرسونالتي» في اللغة الإنجليزية وتلك مأخوذة بدورها من كلمة لاتينية تعني القناع أو «البيرسونا» نسبة إلى الأقنعة التي اعتاد الممثلون في العصور الوسطى على ارتدائها على خشبات المسارح وذلك لغرض إخفاء شخصياتهم الحقيقية.أما قصدهم من ذلك فكان بهدف منح المحكِّمين - المناط بهم تقييم أداء وعروض ومهارات هؤلاء الممثلين - كل مقومات وعوامل الموضوعية والحيادية.قد تبدو الحياة مجرد تمثيل في تمثيل وهي في واقعها كذلك.. ودليل ذلك رفض المجتمع - أي مجتمع - لأن يتجاوز فردية ما يفعله الفرد وقبوله في الوقت نفسه جماعية «الامتثال الاصطناعي».. أو سَمِّه - إن شئت - النفاق ومشتقاته..ختاماً، هل هناك من أسباب أخرى تمنع الكاتب من نشر اعتقاداته الشخصية؟.. نعم.. وطبيعتها «إنسانية» فإليك بها مختزلة بقول الشاعر القديم:


إن كنتَ منبسطا سُمّيت مسخرةً
أو كنتَ منقبضاً قالوا به ثِقَلُ
وإن تقرّبتَ قالوا عنده طمعُ
وإن تباعدْتَ قالوا عنده مللُ

شكراً أخت وفاء وتمنياتي لكِ بالتوفيق في مساعيكِ العلمية والعملية..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved