Tuesday 8th april,2003 11149العدد الثلاثاء 6 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

دفق قلم دفق قلم
أين زوجي؟
عبدالرحمن صالح العشماوي

كان سؤال تلك المرأة الأمريكية صريحاً ومحدَّداً حين قالت موجّهةً حديثها إلى «باول» في المؤتمر الصحفي: إني أسألك عن زوجي، أين هو؟، لقد انقطعت عني أخباره منذ ثلاثة أيام، وسألتك عنه من قبل ووعدتني بالإجابة، فأين زوجي؟ أريد أن أعرف عنه شيئاً بعد اختفائه في جنوب العراق.
وهنا ظهر اللُّطْفُ، ودماثة الخلق، و رقَّة المشاعر لهذا الإنسان فقال: أنا عند وعدي لك، وأنا مهتم شخصياً بأخبار زوجك، وقد طلبت منهم هناك أن يفيدوني عنه، اطمئني فإنَّ أمره يعنيني شخصياً، كان حديثه مغلَّفاً برقَّة «مصطنعة» لا يحسن مثلُه غيرها، ولكنها رقَّة على كل حال، و اهتمامٌ شخصيٌّ يلفت النظر.
امرأة أمريكية تسأل عن زوجها أين هو، وتوجه سؤالها إلى أحد الرجال البارزين في صناعة الحرب الغاشمة على العراق، وتسمع منه هذا الجواب الرقيق، فهو رقيقٌ مهما كانت صفة هذه الرقة.
يا تُرى من ستسأل تلك المرأة العراقية التي فجعت ليلة قصف همجيٍّ بفقدان أهلها جميعاً، ومن الذي سيجيبها بمثل ذلك الجواب الرقيق من البشر؟
لو توجَّهت بسؤالها إلى «باول» قائلة: أين زوجي وأولادي، وأمي وأبي، وأخي وأختي، وأقاربي وجيراني؟، أين منزلي الذي حوَّلته صواريخكم ركاماً تجري تحته دماء أهلي جميعاً؟؟، أين هؤلاء الأحباب؟، أريد جواباً شافياً عنهم يا «باول».
ماذا سيكون الجواب؟، هل سترى هذه المرأة العراقية تلك الابتسامة غير الجميلة التي رأتْها المرأة الأمريكية؟، وهل ستسمع ذلك الكلام الرقيق الذي سمعته تلك؟، هل يؤكد لها أنه مهتم بموضوع اختفاء عائلتها كاملةً اهتماماً شخصياً، وهل سيقول لها: إنني طلبت منهم هناك أن يفيدوني عن حال هؤلاء الضحايا الذين قضوا نحبهم في لحظة واحدة؟؟ وإذا صرف هذا الرجل وجهه عن هذه السائلة العراقية، وهذا هو المنتظر من مثله مع مثلها، فإلى من توجِّه سؤالها؟؟
إلى الرئيس العراقي؟، وأين هو في هذه المعمعة الهائلة، أم إلى حزب البعث القومي العربي الاشتراكي، وهو مشغول بالحالة المشتعلة التي نعرفها جميعاً، ولو لم يكن مشغولاً بهذه الحالة لما تقبَّل سؤالاً واضحاً صريحاً كهذا السؤال؟
أم أن تلك المرأة العراقية ستوجِّه سؤالها إلى الأمة العربية، أو الأمة الإسلامية، أو مجلس الأمن، أو هيئة الأمم؟؟
لن تستطيع أن توجِّه السؤال لأنها لم تتعوَّد على ذلك أصلاً.
عذراً أيتها المرأة العراقية، فالأمر أكبر وأخطر مما نظنّ، الأمر متعلِّق بهذه المدنية المعاصرة الزائفة التي تحمل وجهين، وتكيل بمكيالين، وتتعامل بطريقتين.
المرأة الأمريكية سألتْ، وسمعت جواباً رقيقاً من رجلٍ قاسٍ، جامد الإحساس سمعت جواباً رقيقاً لأنه يخاطب امرأة أمريكية في مجتمع أمريكي، أمام وسائل إعلام أمريكية، وذلك كلُّه مهم بالنسبة إليه، لأن مصيره الوظيفي مرتبط به، أما المرأة العراقية فلم تسأل لأنها لا تستطيع السؤال، ولو سألت لما وجدت من أحدٍ جواباً، إلا جواب مواساة قد تكون باردةً أو ساخنة، ولن يكون جواب عناية شخصية واهتمام ونُصْرةٍ ورعاية.
المرأة الأمريكية سألت عن زوجٍ غائب ما زال يغلب على ظنها أنه حيٌ يُرزق، والمرأة العراقية لو سألت، فلن تسأل إلا عن أسرةٍ بكاملها أصبحت أشلاءً تحت ركام المنزل.
الأولى بالمرأة العراقية وبكل مسلم ومسلمة أن يوجهوا السؤال إلى ربِّ الأرباب، فعنده سبحانه الجواب.
إشارة:


إذا لم أستجرْ بك يا إلاهي
فمَنْ عوني سواك ومَنْ مجيري؟

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved