* جنوب العراق دنيال ماكجروري *
أدان مسؤولون في الأمم المتحدة دعوة القادة العسكريين البريطانيين لسكان بعض المدن العراقية إلى نهب المباني الحكومية العراقية ومقار حزب البعث الحاكم في هذه المدن، ووجهة النظر البريطانية أن مشهد الشباب العراقي وهو يخرب مكاتب ورموز نظام الحكم الذي ظل العراقيون يخافون منه سنوات طويلة سوف يدعم ثقة هؤلاء العراقيين بأن نظام حكم صدام حسين لن تقوم له قائمة مرة أخرى في مدن جنوب العراق ولا في العراق كله.
وقال ضابط بريطاني كبير: «أعتقد أن هذا يبعث برسالة قوية مفادها أن الحرس القديم قد انتهى للأبد».
وقد وقفت الوحدات البريطانية المدرعة التابعة لفرقة جرذان الصحراء لمراقبة عشرات من الشباب العراقي الغاضب وهم ينهبون كل مباني حزب البعث في أجزاء مدينة البصرة التي دخلتها هذه القوات، وقد تم نهب منازل كبار المسؤولين العراقيين والقواعد العسكرية والموانئ البحرية بل وحتى السجون وغرف التعذيب القديمة، ولكن مسؤولي الأمم المتحدة قالوا إن مثل هذا السلوك يمثل انتهاكا لاتفاقية جنيف ويهدد بإثارة أجواء الفوضى والاضطرابات، وبالفعل فقد تعرضت الكثير من السيارات التي لا صلة لها بنظام حكم صدام حسين للسرقة والتدمير في مدن مثل صفوان وأم قصر، وقد أرجع مسؤولو الأمم المتحدة هذا إلى سيطرة حالة من الفوضى وغياب القانون على المدينة.
وقال هؤلاء المسؤولون إن القوات البريطانية والأمريكية مسؤولة عن حفظ القانون والنظام في البلدات التي يدخلوها وأنه ليس صوابا ان تسمح هذه القوات بأعمال نهب وتدمير ممتلكات كبار المسؤولين العراقيين والمباني الحكومية ومقار حزب البعث.
وأضافوا ان الخطر الحقيقي يتمثل في أن الأمور لن تتوقف عند حدود المباني الحكومية والممتلكات العامة وسوف نرى ذلك بالفعل قريبا، والحقيقة أن هذا الأمر يمثل خطورة كبيرة من وجهة نظرنا ويجب وقفه فورا.الجانب الآخر السلبي في مثل هذا السلوك هو أنه يمكن أن يؤدي إلى سرقة أو تدمير بعض الوثائق العراقية الهامة التي يمكن أن تساعد مخابرات تحالف الحرب، وبالفعل عندما دخلت قوات بريطانية في بعض المباني العراقية وجدت الكثير من الأوراق مبعثرة وممزقة، وقد حدث هذا في مقر قائد المنطقة الجنوبية العراقية علي حسن المجيد المعروف باسم «علي الكيماوي» المتهم بشن هجمات كيماوية ضدالأكراد في الثمانينيات وهو ما يعني أن مثل هذه الوثائق كان يمكن أن تساعد في الكشف عن جانب من صناعة الكيماويات العراقية.
والحقيقة أن قوات الغزو فشلت منذ بداية هذه الحرب في العثور على أي وثائق أو أدلة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وهو المبرر الذي ترفعه أمريكا وبريطانيا لهذه الحرب المدمرة، كما أن عمليات النهب التي تعرضت لها المباني الحكومية أدت إلى تدمير الكثير من الوثائق التي يمكن أن توضح كيف كان العراقيون يتحايلون على العقوبات الدولية المفروضة على بلادهم خلال 12 عاما مضت.
ومن الصعب القول بان المسؤولين العراقيين هم الذين دمروا هذه الوثائق قبل انسحابهم فلم يكن أمام هؤلاء وقت لتنفيذ هذه المهمة، وقد كان تدمير هذه الوثائق التي لا تمثل أي قيمة في ذاتها بالنسبة لسكان المدن العراقية بصورة منظمة في كل مبنى يتم الدخول إليه كنوع من الانتقام.
وقد كشفت بعض المعدات التي تم نهبها من قواعد الجيش العراقي أن الحكومة العراقية نجحت في استيراد الكثير من احتياجاتها من دول غربية رغم الحصار والعقوبات الدولية.
وفي أحد أركان رصيف ميناء أم قصر شاهد الجنود البريطانيون مجموعة من الأطفال العراقيين يلهون بمحرك زورق سريع حديث جدا مستورد من سويسرا، ورغم أن هذا المحرك قد لا يكون له قيمة بالنسبة لهؤلاء الأطفال إلا أنه تم تدمير الغطاء الخارجي له والذي يتضمن الرقم المسلسل له ووثائق الاستيراد التي كانت لا تزال في الصندوق مع المحرك، وقد تم العثور على أطنان من المواد الأخرى المستوردة من العديد من الدول الأوروبية وكانت لا تزال في صناديقها ثم اختفت في خلال دقائق من مكاتب الرصيف البحري.
وعلى الرغم من أن عمليات النهب المنظم كانت تقوم بها عصابات تحمل أسلحة أتوماتيكية وتمارس عملها أمام القوات البريطانية والأسترالية، وفي بلدة الإمام أنس وبعد خروج القوات البريطانية منها بعد عمليات تمشيط لأحد المباني دخلتها عصابة مكونة من أربعين رجلا لممارسة أعمال السلب والنهب، وبعد دقائق خرجت النساء من المبنى يحملن أسرة معدنية على رؤوسهم وأطفالهن يسيرون في الخلف ويحملون ما يستطيعون حمله، وهذا الموقف يتكرر باستمرار في كل قرية ومدينة تدخلها القوات البريطانية في جنوب العراق بصورة كبيرة.
* «التايمز» البريطانية
|