Monday 7th april,2003 11148العدد الأثنين 5 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
خير الشرين
عبدالله بن بخيت

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليس العاقل الذي يعرف الشر من الخير ولكنه الذي يعرف خير الشرين، هذه الحكمة العظيمة تلخص الورطة التي نعيشها على كافة الأصعدة، لم تقع الأمة في هذا المأزق في تاريخنا كله؟ لا أحد يعرف هل هذه الحرب التي تشنها أمريكا على العراق لها أي فائدة على الأمة؟ هل يستطيع الإنسان أن يجد أدنى مبررات لها؟ هل يوجد من يؤيدها بنية حسنة؟ فالذي يريد أن يناصر الولايات المتحدة في عدوانها على العراق يكفيه أن يسرد تاريخ صدام حسين ليبرر أن شرور صدام حسين على الشعب العراقي تستحق التضحية الكبيرة التي يتكبدها الشعب العراقي في محنته هذه، ساعة عذاب خير من ظلم مقيم، أو هي عملية استئصال كبيرة لشر عظيم، ولكن هل يجوز أن تجرى عملية جراحية بمشرط ملوث؟ هل كان للحكومات الغربية في تاريخ الشعوب أي أياد بيضاء؟ ما الذي يميز الشعب العراقي عن الشعب الفلسطيني حتى تهب أمريكا وبريطانيا لنجدته؟ إذا كان هناك شعب في الدنيا يحتاج إلى الحرية فهو الشعب الفلسطيني.
في المقابل لو لم تقم الحرب للتخلص من صدام حسين فإلى متى ينتظر الشعب العراقي والشعب العربي معه؟ فالمسألة لم تعد رئيساً ظالماً له عمر افتراضي في هذه الدنيا ثم يترك الكرسي، فالأمر له امتداد في المستقبل، فالرجل يعد نفسه للبقاء إلى الأبد عبر أبنائه فبعد أن فشل عدي أن يكون رجلاً كما يريده جهز الرئيس العراقي ابنه قصي لتستمر قبضته ممتدة على رقاب الناس من القبر. فالقضية تتعلق بالمستقبل، هناك حكام استطاعوا ان يضعوا شعوبهم في نفس الورطة التي يعيشها الشعب العراقي، حكومات بددت ثروات الأمة في عنتريات وثوريات، وهم الآن ينتظرون الوقت لتسديد قيمة أخطائهم، فالإرهاب الذي أنزله هؤلاء على الآمنين بدؤوا يذوقون طعمه ويعرفون مرارته وهوانه وعذابه.
ترى أمام هذه التناقضات ما الذي نفعله نحن المسلمين؟ ما الذي يجب أن نفعله بمشاعرنا وحساسيتنا الثقافية والأخلاقية والوطنية والإنسانية؟ فالحياة كما يقول الفيلسوف كيركجراد تقوم على معادلة: «إما.. أو..» أي «إما أن تفعل كذا أو تفعل كذا» أي «إما» أن تسلك هذا الطريق «أو» تسلك الطريق الآخر، لايمكن أن تقف جامداً في مفترق الطرق.
المدخل الوحيد الذي نلجأ إليه في الوقت الحاضر هو أن نقول إننا مع الشعب العراقي وضد صدام حسين وأمريكا، كلام جميل لكنه بلا دلالة، لأن أحد الشرين سينتصر ويستولي على الشعب العراقي، فالشعب العراقي ليس ثالثاً في هذا الصراع حتى نكون معه وإنما هو الضحية التي تتصارع عليها قوتا الشر هذه، كيف نكون مع الشعب العراقي دون أن نمد يد العون لأي من قوى الشر هاتين؟ هذا هو الخيار الذي خانه المثقفون العرب، عدما كانوا يركضون وراء جوائز صدام حسين وفنادقه في المربد وغيره، ليضعونا الآن أمام الخيار بين شرين لا خير يفرق بينهما.

فاكس 4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved