Monday 7th april,2003 11148العدد الأثنين 5 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

هل انتهى الغرب؟ هل انتهى الغرب؟
د. عبد الرحمن الحبيب

وفيما تشتعل أوار المعارك على أرض العراق يحتدم صراع فكري بين جبهتي أوروبا وأمريكا داعماً فرضية «نهاية الغرب»، أي نهاية التحالف الاستراتيجي بين شطري الأطلسي: أمريكا وأوروبا. هذه الفرضية بزغت مع انهيار الاتحاد السوفيتي في مؤتمر جون أولن في جامعة شيكاغو عام 1989م حين أعلن أن أغلب المفكرين ناقشوا بشكل ما موضوع أزمة الغرب أو أفوله، والتي قد تعني نهاية الغرب وبداية حقبة ما بعد الغرب.. وقبل ذلك، كتب بوشنان عن «احتضار الغرب» إزاء تنامي الهجرة إليه من العالم الثالث.. فهل انتهى الغرب حقاً؟
احتدام الخلاف بين شطري الأطلسي أمسى واضحاً منذ بضعة أشهر فقط. ففي مطبوعة «ذي أتلنتك أونلاين» ذكر تشارلز كوبشان أن صراع الحضارات لن يكون بين الغرب وبقية العالم، كما يصورها هونتنجتون، بل بين أوروبا وأمريكا.. فالصين التي تعد المتحدي الأول لأمريكا بعيدة حالياً عن دخول المنافسة الحقيقية، وتهديد المتطرفين الإسلاميين ذو تأثير مؤقت، بينما النتاج الاقتصادي السنوي لدول الاتحاد الأوروبي يصل لحوالي 8 تريليونات دولار مقابل 10 تريليونات لأمريكا.. هذا هو الذي سيشكل تهديداً لسيطرة الدولار الدولية مقابل اليورو.
ويمتد الخلاف بين الطرفين نحو النظام الدولي.. أمريكا بسياسة القوة كأداة ضرورية للأمن العالمي مما يعني حتمية الحروب؛ وأوروبا التي تروض سياستها العسكرية من أجل حكم القانون الدولي مما يعني «نهاية التاريخ» حسب فوكوياما. هنا تتناقض أهداف حلف الناتو بين أوروبا التي تعطي الأولوية لأمنها الخاص وأمريكا المتدخلة ببقية دول العالم.. ولا يقع اللوم دائما على أمريكا كما كتب جون بويثن في مطبوع «ذي إيج»، فأوروبا تتوهم في عالم يسوده القانون الدولي، خال من الصدام الأيدلوجي والصراعات العسكرية، وترى نهاية التاريخ، بينما أمريكا لا تقرُّ بأن التاريخ قد انتهى، وتمارس أسلوب السياسة التقليدية حيث القوة عنصر ضروري في التعامل مع القاعدة والعراق وجهات معادية أخرى. الأوروبيون محقون جزئياً، حسب روبرت كاجان، لأن التاريخ انتهى في قارتهم فسيادتهم الوطنية حل محلها التعدد الدولي، ولكن ذلك لم يكن ليحدث لولا القوات الأمريكية ودعمها غير المحدود لأوروبا.. فيما الأوروبيون يطرحون قوة القانون الدولي بتعبير الأهداف الاجتماعية، ولكن بدون قوة فإن هذا القانون يتضعضع.
ورغم ان الأساس الحضاري وهو الديموقراطية الليبرالية هي ذاتها في الفصيلين، إلا أن هناك خلافاً في مصدرها القانوني. لدى الأمريكان لا شرعية تعلو على ديموقراطية الأمة الولاية، فتنوع الأصوات الشعبية للولاية تُقدَّم كصوت واحد لبقية الأمة الفدرالية، وقانون الولاية يوازي أو يفوق قانون الأمة، وهذه بدورها فد تفوق قانون الأمم المتحدة غير الديموقراطية.. بينما الأوروبيون يؤمنون بشرعية أخلاقية منبثقة من إرادة المجتمع الدولي.. فالبرلمان الأوروبي مثلاً لم ينتخب جماهيرياً ولكن قوانينه تمتلك القوة الشرعية. ويرى الأمريكان أن القوانين الدولية قد لا تمثل رغبة الشعوب طالما لم يتم التصويت عليها شعبياً، بل ربما تولد رغبات دول قمعية ذات مصالح غير شرعية. وهنا يتساءل التيار المحافظ الجديد في أمريكا عندما يتعلق الأمر بإضفاء الشرعية على استخدام القوة: هل الأمم المتحدة، أكثر شرعية من تحالف يضم دولاً ديموقراطية، رغم أن الأمم المتحدة تتيح لدول غير ديموقراطية كالصين حق نقض قرارات مجلس الأمن وتسمح لدول قمعية كليبيا برئاسة لجنة حقوق الإنسان!؟
ويرى الأوروبيون أن مما زاد في تعميق الهوة، هو ما تبع أحداث 11 سبتمبر، حيث نظرت لها أوروبا من خلال مراجعة مسألة التنوع الحضاري، فيما رأت بها أمريكا أحادية «من ليس معنا فهو ضدنا». وساعد على التنافر بين الطرفين سياسات إدارة بوش الانفرادية وانسحابها من كثير من البروتوكولات الدولية مثل كيوتو ومعاهدات بيئية أخرى، ومعاهدة الحد من الصواريخ البلوستيكية وحظر الألغام الأرضية، ومحكمة العدل الدولية.. هناك أيضا خلافات اجتماعية ثقافية حادة مثل قوانين الهجرة، وحمل السلاح، وعقوبة الإعدام.. الخ.
والآن، مع الحرب على العراق، حيث تقف غالبية أوروبا معترضة، يرى الأمريكيون أنه رغم تقديرهم لتخوف الأوروبيين من استبداد أمريكا، فإن هذا الاعتراض يعد خطأ تاريخياً وخيانة من الحلفاء في الوقوف مع دول معادية غير ديموقراطية وإضعافا للأمن المشترك وأسلوباً يقود لتهميش الأمم المتحدة لأن أمريكا ستضطر لتجاوزها.. هذا الخطأ تجنبه توني بلير حتى ولو أدى إلى الوقوف مع رعونة بوش حسبما ذكر ناتان غاردلز مسؤول تحرير نشرة نيو بريسبيكتفز كوارترلي.
وهنا نعود لما بدأنا به، هل انتهى التحالف الغربي؟ قبل بضعة ايام نشرت «ليموند» استطلاعاً أظهر أن ربع الفرنسيين يتمنون انتصار العراق في هذه الحرب! ورغم تقليل المسؤولين الأمريكيين لأهمية مثل هذه الاستبيانات.. فإن أحد المستشارين الأمريكان علق قائلاً: «إذا كانت هذه النسبة صحيحة فإن كلمة تحالف لا معنى لها»..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved