* جدة - خالد الفاضلي:
نشرت ناشطة يابانية تدعى هيلين كالديكوت إعلاناً في صحيفة النيويورك تايمز آثار غضب الحكومة الأمريكية رغم أنه لم يتجاوز مساحة نصف صفحة يوم 24 مارس واحتوى فقط على «لقد شنت الولايات المتحدة حربين نوويتين كانت الأولى ضد اليابان في العام 1945 والثانية في الكويت والعراق في العام 1991».
وكانت هيلين تقصد بهيروشيما الخليج ذخائر اليورانيوم المستنفد، في حين اجتاحت الولايات المتحدة موجة معارضة ضد استخدام اليورانيوم فوزير العدل السابق رامزي كلارك حذر من استخدامها وأنها تهديد غير مقبول للحياة وانتهاك للقانون الدولي واعتداء على الكرامة الانسانية كما أعلن تيم جدسون المناهض النشط للأسلحة النووية بدوره استخدام ذخائر اليورانيوم المستنفد تؤدي إلى تدهور الصحة الجينية (أي صحة المورثات) والإبادة الجماعية وأيضا نادى حزب الخضر من جانبه بوقف استخدامها لأنها السبب المرجح لمشاكل صحية عديدة يعاني منها آلاف المجندين الذين خدموا في الخليج وعائلاتهم بما فيها السرطان واللوكيميا والتدرنات وارتفاع معدلات التشوهات الخلقية لضرر أصاب الجينات أو المورثات.
وفي السياق نفسه يعتقد الكثير من المحاربين القدامى الأمريكيين العائدين من حرب الخليج أنهم يعانون من ظاهرة أعراض حرب الخليج المتزامنة وهي مجموعة من المشاكل الطبية المتباينة التي يعتقدون أنه يمكن ارجاعها إلى خدمتهم في تلك الحرب وقد يكون التعرض لغبار اليورانيوم المستنفد بين التفسيرات المقترحة لمشاكلهم بينما تواجه وزارة الدفاع الأمريكية حرجا من تصريحات «دان فايهي» المتواصلة وهو ضابط بحرية شارك في حرب الخليج الأولى وناشط منذ فترة طويلة في مناهضة اليورانيوم المستنفد ويصر على ان الناطقين باسم وزارة الدفاع كذبوا عند التحدث عن صحة المحاربين القدامى في حرب الخليج الذين تعرضوا لليورانيوم المستنفد وبالغوا في أهمية ذخائر اليورانيوم المستنفد فردت وزارة الدفاع إنه لم يصب أي من أفراد مجموعة صغيرة من المحاربين الذين شاركوا في حرب الخليج الأولى وتعرضوا لليورانيوم المستنفد وأجريت عليهم دراسة متابعة بالسرطان وقد استشهد فايهي بمذكرة تقول إن محاربا قديما أضيف أخيرا إلى الدراسة كان قد أصيب بالسرطان اللمفاوي.
ويعتقد فايهي ان البنتاغون يبالغ في أهمية ذخائر اليورانيوم المستنفد ويشير إلى أنه من المحتمل ألا تكون ذخائر اليورانيوم المستنفد قد دمرت أكثر من سُبع الدبابات العراقية في حروب الخليج لكنه يشير إلى أنه: لا توجد دراسة موثوقة تربط بين التعرض لليورانيوم المستنفد وأي نوع من أنواع السرطان أو أي مرض يعاني منه أفراد الشعب في العراق أو البلقان أو أفغانستان.
من ناحية ثانية تبلغ كثافة اليورانيوم 7 ،1 مرة كثافة الرصاص، وتتميز الذخائر المغلقة منه بكونها ذاتية الشحذ، مما يمكنها من ثقب الدروع أو الصفائح المعدنية الواقية إلى عمق يزيد 5 ،2 بالمئة عن غيرها من الذخائر، وينجم عن هذا الشحذ الذاتي غبار اليورانيوم المستنفد الذي يتساقط معظمه إلى الأرض على مسافة لاتزيد على خمسين ياردة (أي حوالي ستة وأربعين متراً) عن نقطة ارتطامها بهدفها وتستخدم ضد الدبابات المعادية كما يستخدم اليورانيوم المستنفد كطبقة معدنية يكسى بها الكثير من العربات المصفحة الأمريكية مما يحصنها إلى حد كبير ضد اختراق الذخائر التقليدية المضادة للدبابات لها وهو يستخدم كذلك كثقل مقابل للمحافظة على توازن الطائرات كدرع ضد الاشعاعات لوقاية العاملين في مجال الرعاية الصحية من التعرض لأشعة إكس (الأشعة السينية) الطبية.
ويصنف اليورانيوم المستنفد على أنه نتاج جانبي يصفه النشطاء بفضلات عملية فصل نظائر يو-235 شديدة الانفجار عن اليورانيوم لانتاج الوقود للمفاعلات الذرية ويطلق عليه وصف «المستنفد» لأنه يتم انتزاع معظم نظائر اليورانيوم الأخف يو-234 ويو-235، من اليورانيوم الطبيعي، مما يخلق يورانيوم يتكون بنسبة 8 ،99 بالمئة من نظير اليو- 238 ونتيجة ذلك هو يورانيوم أقل إشعاعاً بنسبة أربعين بالمئة من اليورانيوم الطبيعي.
تحاول وزارة الدفاع الأمريكية القيام بحملة دعائىة معاكسة لتخفيف حدة الرأي العام ضد استخدام اليورانيوم المستنفد في حرب الخليج الثالثة، وكان آخر محاولات في مجلة أمريكية تدعى ريسون استعرضت دراسة لنصوص علمية قامت بها مؤسسة رائد الفكرية برعاية وزارة الدفاع (الأمريكية) خلصت إلى أنه لايوجد أي تقارير منشورة راجعتها مجموعات من الأنداد العلماء عن زيادة ملحوظة في الإصابات بالسرطان أو غيرها من التأثيرات الصحية السلبية الناجمة عن التعرض للإشعاع أو استنشاق أو ابتلاع اليورانيوم الطبيعي بمستويات (كميات) تزيد زيادة كبيرة عن تلك المرجح وجودها في الخليج كما جاء في دراسة للاتحاد الأوروبي صدرت في عام 2001 ان معظم اليورانيوم الذي يتم بلعه (مابين 98% و 8 ،99% حسب قابلية مركب اليورانيوم على الذوبان يتم التخلص منه بسرعة مع البراز.
أما الغالبية الساحقة من أي يورانيوم متبق في الجسم فيتم تنقيتها من الدم بسرعة خلال بضعة أسابيع كما انه تتم تنقية معظم اليورانيوم المستنفد الذي يتم استنشاقه بصورة مماثلة عن طريق الكلى ومجرى الدم وخلص تقرير الاتحاد الأوروبي إلى محصلة مفادها ان التعرض لليورانيوم المستنفد لايمكنه ان يؤدي إلى أي تأثير صحي ملحوظ ضمن إطار افتراضات واقعية لكمية الجرعات التي يتم تناولها أو استنشاقها مع تكرار ان اليورانيوم المستنفد معدن ثقيل وهو مثله في ذلك مثل الرصاص والنيكل سام كيميائياً إذا ما تم تناول كميات كبيرة منه ومضر بشكل خاص بالكلى ولكن الدراسات التي دارت حول التعرض المحتمل لليورانيوم المستنفد خلال المعارك وبعد وقوعها وجدت ان تأثيره على كلى المجندين والمدنيين خفيف وعابر.
واستعانت المجلة أيضاً بتقرير آخر للبرلمان الأوروبي في عام 2001 بين حالات التعرض لليورانيوم المستنفد وحالات تعرض العاملين في مناجم اليورانيوم له وخلص إلى القول: تثبت حقيقة عدم وجود أي دليل على علاقة تربط بين حالات التعرض، أحياناً لفترات طويلة وعلى مستويات عالية منذ بدء صناعة اليورانيوم والأضرار الصحية كسرطان العظام واللوكيميا اللمفاوية أو غيرها من أنواع اللوكيميا أنه لا وجود لإصابات بهذه الأمراض نتيجة للتعرض لليورانيوم أو انها (في حال وقوعها) استثنائية جدا وكذلك بيان آخر لمنظمة الصحة العالمية تتفق فيه على ان اليورانيوم المستنفد لايشكل خطرا كبيرا على الصحة، جاء في الحقائق الذي أصدرته في عام 2003 انه نظرا لكون اليورانيوم المستنفد مشعاً بشكل ضعيف فقط فإن ازدياد خطر الإصابة بسرطان الرئة بشكل ملحوظ بين أفراد مجموعة تتعرض له يتطلب استنشاقها كميات كبيرة جدا من الغبار (في حدود الغرامات من الغبار) أما خطر الإصابة بسرطانات أخرى يسببها التعرض للإشعاع بما فيها اللوكيميا فيعتبر أقل بكثير من خطر الإصابة بسرطان الرئة وخلص تقرير آخر وضعته منظمة الصحة العالمية إلى أنه من المرجح ان يكون الخطر الاشعاعي ضئيلاً جدا ولم يتم إثبات وجود زيادة في الإصابات باللوكيميا أو غيرها من أنواع السرطان بعد التعرض لليورانيوم أو اليورانيوم المستنفد.وتتساءل مجلة «ريسون الالكترونية» عن سبب المعارضة العنيفة لليورانيوم المستنفد ثم تجيب بان معظم هذه المعارضة لايتعدى كونه جزءاً من النشاط التقليدي المناهض للطاقة النووية فبعض الناس يعترضون بشكل أوتوماتيكي على كل ما يصدر عنه اشعاع نووي مهما كان ضئيلاً وثانيا نتيجة لحملة عراقية ناجحة عن ان التعرض لليورانيوم المستنفد سبب آلاف من حالات الإصابة بالسرطان والعيوب الخلقية بين المدنيين الأبرياء وقد عرضت من مظمة الصحة العالمية القيام بتحري صحة تصريحات العراق لكن المسؤولين العراقيين رفضوا العرض رفضا قاطعاً ويجادل المسؤولون في البنتاغون بأن أحد الأهداف الحقيقية للحملة العراقية علاوة على محاولة كسب التعاطف الدولي كان التوصل إلى حظر ذخائر اليورانيوم المستنفد دوليا كي لا يضطر النظام العراقي لمواجهتها ثانية.
|