Sunday 6th april,2003 11147العدد الأحد 4 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لماذا أخفقت النهضة العربية؟ لماذا أخفقت النهضة العربية؟

تأليف: محمد وقيدي، حميدة النيفر، دمشق: دار الفكر، 2002م، 424 صفحة.
مسألة النهضة العربية إشكالية عُني بها الفكر العربي منذ القرن التاسع عشر، وقد أعيد طرح هذه الإشكالية مجدداً منذ بداية ستينات القرن العشرين. لكن ماذا تعني النهضة؟ وما مقوماتها؟ ومن رجالها؟ وهل كان عصر النهضة فترة زمنية متجانسة من حيث الإشكالات التي طرحتها، ومن حيث الاتجاهات الفكرية التي نشأت فيها؟ لماذا بقيت أسئلة النهضة تطرح إلى الآن؟ هل لأن النهضة لم يتحقق منها شيء يذكر؟ أم لأن الجهود التي بذلها الرواد الأوائل للنهضة ضاعت سُدى؟ ما طبيعة إشكالات النهضة التي اختلفت حولها الدعوات والأفكار والسياسات؟ هل كانت تتعلق بتأخر تاريخي أم هل كان الإشكال على المستوى الديني والبيئات المجتمعية والاقتصادية؟ لقد أراد بعض رواد الإصلاح أن ينقطعوا عن التاريخ العربي الإسلامي، وأن يستمدوا شروط النهضة من التراث الحضاري الغربي، بينما رأى آخرون أن الإصلاح لا يمكن أن يتم إلا عن طريق الفكر الديني الإسلامي أولاً.
وهذا الكتاب يطرح هذه الإشكالية عبر حوارية فكرية بين اثنين من المفكرين العرب هما: الدكتور محمد وقيدي والدكتور حميدة النيفر.
من الكتاب:
فرضيتنا في هذا العمل تقوم على أن النهضة العربية التي ظهرت منذ قرنين والتي تركزت مع التقاء الذات العربية المتشظية بأوروبا صاحبة الريادة والسيادة، هذه النهضة كانت استعادة للحس النهضوي الذي تأسس منذ قرون مع الرسالة المحمدية والذي ظل بارزاً في مفاصل معروفة، باهتاً أو مستتراً في مراحل أخرى. لذلك جاز القول بأن النهضة العربية الحديثة تأسست منذ أن فعّلت الذات العربية في القرن السابع الميلادي نفسها عن طريق الوحي، منذ ذلك التأسيس أصبح من الممكن المتاح استعادة فاعلية الوحي كلما تضافرت عناصر التراجع الحضاري والفكري، لتجمّد الخصوصيات الثقافية للأمة. ذلك بالضبط ما تحقق منذ نهاية القرن الثامن عشر: رفض للإقرار بالاندحار الحضاري، لأن فاعلية الوحي تظل تعني في جانبها التاريخي إمكانية دائمة للنقض والتصحيح. من تلك البذرة القديمة انطلقت النهضة الحديثة، وليس نتيجة الصدام مع جيوش أوروبا الغازية.
مثل هذا القول ينبغي أن يفهم بأن هاجس التغيير والتجاوز عند مفكري النهضة هو استئناف لهاجس ولوج التاريخ والفعل فيه الذي أسسه الوحي في النص القرآني. بتعبير آخر فرضيتنا في هذا المستوى تنطلق من اعتبار ما للالتزام النهضوي الحديث من علاقة مع الخصوصية الثقافية الإسلامية، إنها هي التي تفسره أكثر مما يفسره الصدام مع الغرب الغازي. في مستوى ثانٍ تعتبر الصياغة الحديثة له تقومان، برغم اختلاف ظروفهما التاريخية والحضارية على قاعدة دينية مدنية لها تصور مركزي يحكمها أياً كانت الظروف والتوجهات. ما حصل في القرنين «19 و 20» من أحداث سياسية واجتماعية لا يمكن أن يحلل بمعزل عن البنية العقدية، أو الميتافيزيقية الفاعلة فيها. كذلك كان شأن كل الحراك الذي عرفه العالم القديم في القرن السابع وما تلاه من قرون ثلاثة. مؤدى هذه المقولة أن كل حراك سياسي واجتماعي عربي هو ذو معنى ديني بالضرورة، فأهم ما عبر عنه الوحي فكرياً هو تحويل الفضاء التاريخي إلى مجال متاح للإنسان يصوغ فيه مستقبله باعتبار أن تلك الصياغة هي إمكان تاريخي، يحيل على مفهوم للذات الإلهية باعتبارها مفارقة للعالم المادي برغم حضورها وفعلها فيه. في هذا المستوى من الفرضية يمكن القول: إن مرجعية الحراك العربي منذ القرن السابع موصولة بطبيعية الخطاب الديني، وخاصة بتصوره للألوهية دون أن يعني ذلك من جانبنا تنكراً لأي تأثير لعناصر موضوعية أخرى في صيرورة ذلك الحراك العام، لكن هذا لا ينبغي أن يغيّب عنا الفعلية الخاصة للتصور الديني، وهوما جعل الإنسان العربي يظل متديناً بالأساس، حتى وإن عبر عن تنكره الصارخ لتعاليم الشريعة أو شعائرها، لقد استمر متديناً في أكثر من مستوى: هو في مستوى أول مسكون بحس الفاعلية في التاريخ، ذلك النبض الذي لم يفتأ حياً بدرجات متفاوتة. ثم هو في مستوى آخر ظل دون تأسيس وعي مدني يمكن أن يقطع مع منظومة القيم الدينية وتصورها المركزي، كما حصل في التجربة الغربية، بما يمكن أن يعيد بناء القيم وتنسيقها على قواعد جديدة. لذلك ظل إلى اليوم يترجم في عقله الاجتماعي عن الصورة التي يحملها عن العالم ومعناه وللإنسان وإرادته ومآله وعن طبيعة الحضور المتعالي في كل ذلك. الدرجة الثالثة والأخيرة من فرضيتنا متصلة بضرورة التمييز بين الحس النهضوي وما ارتبط به من رؤية للعالم وللإنسان، وبين ما يمكن أن نسميه نظرية النهضة وهو ما يتولد عن ذلك الحس وتلك الرؤية، وما يتخلق عنهما من فكر للنهضة، ومن اختيارات سياسية واجتماعية وأنماط تقنينية ومناهج تفسيرية. ترجع ضرورة هذا التمييز بين المجالين لما أوقعه التداخل بينهما من أخطاء فادحة في التقدير. أفضل مثال لذلك تلك الجهود الضائعة للمدافعين عن الهوية والتراث، الذين لا يرون فرقاً بين الأسس الثقافية للنهضة ومنظومتها القيمية وبين فكر النهضة وما تركز معه من نظرية اجتماعية وسياسية، مثل هذه الخلط لا يتيح وضع الطرف الثاني في مستواه الحقيقي باعتبار أنه ليس إلا لبوساً للحس النهضوي، أي أنه إمكان تاريخي، وصورة من صوره لا غير.
يرجع هذا التمييز بين القوة التأسيسية للنهضة وبين فكرها المصاغ ضمن إحداثيات تاريخية، إلى التصور القرآني للوجود، بأنه خلق يزداد ويرتقي بالتدرج. مقتضى هذا التصور في المجال الفكري والاجتماعي هو أن التغيير أو التغير سنة لا تتخلف، وأن كل جيل، وإن حرص على أن يهتدي بما ورثه من آثار أسلافه، ملزم سواء وعي ذلك أم لم يعه، أن يتجاوز ذلك التراث في تفكيره وحكمه، وحل مشكلاته الخاصة. غير أن هذا التوجه لم يجد السبيل ليتأصل، بل أضحى متعارضاً مع المنهج القياسي الذي جمّد موقع الفقهاء وطاقاتهم الاجتهادية. هؤلاء بعد أن كانوا في طور أول من البناء الفقهي مدركين ما للواقع من شأن فميزوا بين الحدث الثابت ومعناه المتغير، متمثلين التصور القرآني للوجود وما يحمله من الامكانات التاريخية، بعد ذلك أعرض المتأخرون منهم خاصة، لعوامل تاريخية واجتماعية، عن كل تمييز بين الحدث ومعناه، مما حول الواقع من ممكنات لا تتكرر إلى أمر ثابت إلى الأبد.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved