دائماً أقول إن الإبداع بوتقة تصطلي من معاناة الألم.. الحزن.. القهر.. الصراع الذاتي وغيرها من المشاعر التي تفتقد الحرية المطلقة أحياناً للتعبير عنها أمام المجتمع بشكل واضح وصريح!!
والإبداع أيضاً لحظة جنون جميلة ينطلق منها المبدع سواء كان أدبياً أو فنياً نحو عوالم جميلة صنعها هو لذاته لتخفف من حدة انصهار تلك البوتقة نتيجة لتلك المشاعر المقيدة!!
لكن يختلف وقع الإبداع.. وجماله من معاناة لأخرى.. فحين يخرج لنا إبداع من مبدع يحمل إعاقة جسدية كانت أو نفسية وشتان بين تلك الإعاقتين يكون أروع وأصدق.. وأنقى جمالاً لأن الله سبحانه وتعالى حرم الشخص نعمة من نعمه تعالى كالسمع أو البصر وعوضها بحاسة أخرى أنتجت للمبدع نتاجاً إبداعياً قيما من باب الإبداع من هذا المعاق لا من باب الشفقة والرحمة عليه!! وكوامن نجاح وقوة ذلك الإبداع من المبدع المعوق تكمن في الإيمان المطلق بالله تعالى وقوة الإرادة لديه والتي تدفعانه للاقتراب من الله عز وجل أكثر، ليكتسب بعدها الرضا الذاتي المطلق والشعور بالسعادة الناتجة من تسليم الأمر لله.
وأدبنا العربي زاخر بأدباء مبدعين من التراث العربي الإسلامي وحتى أدبنا الحديث.. أدباء أبدعوا.. وتحدوا الإعاقة بإنتاجهم الأدبي، ولم تقف الإعاقة عائقاً أمام تقدمهم أو تنقص من كمالهم ومساواتهم بالآخرين الخالين من أي إعاقة.
ومن شواهد الإبداع الأدبي المرتبط بالإعاقة «بشار بن برد» ذاك الشاعر الأعمى والذي لم يمنعه العمى عن الشعر ونظمه بإبداع.. فهو من قال:
عميتُ جنيناً والذكاء من العمى
فجئت عجيب الظن للعلم موئلاً
وهناك أيضاً شاعرنا «أبو العلاء المعري» ذلك الأعمى الذي اعتبر كف بصره محنة قاسية في حياته وانعكس ذلك على نظرته للحياة والتي اتصفت بالسوداوية والتي نراها في معظم قصائده.
والإعاقة مع الأدب لم تكن في أدباء تراثنا العربي القديم، لا بل هناك أيضاً في أدبنا المعاصر الأديب مصطفى صادق الرافعي فقد كان يعاني من إعاقة سمعية، حيث دفعه ذلك الصمم لاستخدام الكتابة كوسيلة تواصل بينه وبين الآخرين وأسلوب للتفاهم، مما دفعه للبحث في الذات البشرية التي يعيش صمتها المحيط به، والغوص في أعماقها.. من خلال إعاقته ظهر إبداعه العبقري في أغوار الذات والفلسفة النقية.
ولا أنسى أنني قد قرأت عن الرافعي أنه كان يقول «إنني حينما أسجد لله في الصلاة سأنهض ذات يوم وقد رد الله علي سمعي» هذا يحملنا لمدى ثقة أديبنا الأصم بالله تعالى وقربه منه واللذين كانا السببين المباشرين للإبداع والعبقرية.
وهناك أيضاً شاعرنا «علي محمود طه» والذي أصيب بالشلل في أواخر حياته، والأديب «إبراهيم عبدالقادر المازني» المصاب بالعرج ومرض النورسابيا.
وآخرون لا أملك حصرهم فقد حاولت ذاكرتي أن تستحضرهم جميعاً لقوة إبداعهم، فلو استحضرتهم جميعا وحصرتهم لاحتجت لمساحات أكبر من مساحتي هذه. لن أنسى أن الآن لدينا في مجتمعنا من المعوقين من هم في بداية مشوارهم الأدبي لكن بإنتاجهم الأدبي يستحقون لقب أدباء ولدي العديد من نتاجهم والذي سأسعى جاهدة ليرى النور وليصل صداه للجميع.
وقفة صدق.. سقط من ذاكرتي توثيقها بشاعرها وكلماتها..
أرفع علم.. أجمل علم
وأثبت لهم
أن المعاق مصدر
حضارات الأمم!!
للتواصل:ص.ب:56951 الرياض:11564
|