إن للحياة المدنية آثاراً اجتماعية ونفسية على الناس وقد صاحبها تسارع رتم الحياة وتنوع المعلومات والمعارف والتقنيات ذات الأثر البالغ في حياة المجتمع بجميع شرائحه، ومن تلك الشرائح المهمة في المجتمع شريحة فلذات الأكباد وهم «الأطفال» الذين بدا يطفو على سطح صفوهم بعض تلك المؤثرات المدنية التي تظهر عند الكبار غالباً، ومنها الاكتئاب عند الطفل فمع تقدم البحث العلمي في مجال علم النفس والطفولة أثبتت الدراسات أن مثل هذا المرض يصيب الطفل بعد أن كان هناك اعتقاد سائد بأن الطفل لا يتعرض لمثل هذه الأمراض.
واكتئاب الطفل هو شعور الطفل بالضيق وعدم انشراح الصدر وتعكر المزاج وحساسية المشاعر وعدم تقدير الذات والانطواء الاجتماعي وندرة الأصدقاء وفقدان الشهية ونقص في النشاط الحركي وقد يصاحب ذلك توهم للمرض والتشاؤم من المستقبل وفقدان الثقة في النفس وفي الآخرين وكذلك نوبات بكاء ليس لها ما يبررها ونوم متقطع أو أرق.
وانه من المتعين على الآباء والأمهات والمربين الانتباه إلى أعراض الاكتئاب عند الطفل فقد أشار كل من «قلون وكنج، 1999م» إلى أن نسبة 47% من المكتئبين في مرحلة الشباب والرشد والشيخوخة يعود سبب اكتئابهم إلى مرحلة الطفولة فقد كانت هي السبب الأساس في اكتساب الاكتئاب.
وهذا مؤشر دقيق لأهمية التعامل المبكر مع الحالات التي تظهر فيها حالات الاكتئاب فمع مرور الوقت يتعقد الموقف وقد يصعب العلاج، ومما يجدر الإشارة إليه أن مرضاً مثل الاكتئاب قد يسبب أمراض نفسية أخرى لدى الطفل مما يزيد الموقف تعقيداً فمثلاً قد يصاحب ذلك خجل وخوف اجتماعي أو نوبات قلق أو وساوس قهرية وما إلى ذلك، وكذلك قد يؤثر في شخصية الطفل ومستقبله من حيث القدرة على التكيف والتوافق الاجتماعي وفقد الثقة بالمحيطين والعدوان وتغليب مبدأ الشك والتردد عند اتخاذ القرار وغيره.
ولعله من المناسب هنا أن أنوه بعدم إهمال الأعراض غير المألوفة التي قد تبدو على بعض الأطفال كما يجب ألا يصبح أي سلوك يقوم به الطفل هو مثار للانتباه، فتجب الملاحظة ولكن من دون قلق وبعد استشارة الإخصائي النفسي عن حال الطفل هنا يتخذ القرار من قبل ولي أمر الطفل حول أهمية العرض على طفله.
وهناك عدة أشكال لاكتئاب الطفل:
الاكتئاب الحاد: وهو في الغالب يظهر بشكل مفاجئ بسبب أحداث مؤلمة أو فقدان عزيز أو ضغوط نفسية. ويكون الطفل قبلها مشهوراً بنشاطه وعلاقاته الطبيعية.
الاكتئاب المزمن: وأعراضه تتشابه مع الأعراض السابق الإشارة إليها آنفا ولكن تستمر لفترات طويلة نسبياً وتحتاج إلى فترات علاج أطول وتظهر علامات للاكتئاب قبل ظهوره وأهمها نقص النشاط الحركي عن المعتاد، وليس من الضروري أن يسبق الاكتئاب أي أزمة نفسية أو حدث مؤلم.
الاكتئاب المقنع: ولا تظهر فيه أعراض الاكتئاب المعتادة ولكن يصاحب هذا النوع حركة مفرطة جداً والعبث والإزعاج المفرط والعدوان المستمر، وهذا النوع من اكتئاب الطفل قد يلحقه أحد النوعين السالفين فيما بعد.
ولاكتئاب الطفل العديد من المسببات نذكر منها:
أحداث مؤلمة: مثل وفاة عزيز أو حادث فراق أو طلاق الوالدين.
القسوة على الطفل في التعامل وفي النقد وأسوأ أنواعه ما يكون أمام الغرباء.
الجانب البيولوجي: مثل الإصابة بأمراض عضوية أو كيميائية تفاعلية في الجسم أو إعاقة.
نقص العلاقات الاجتماعية والشعور بالوحدة ويبدأ بانعزال الطفل وتفضيل الوحدة وينتهي بالاكتئاب.
إصابة أحد الوالدين بالاكتئاب فقد ينسحب ذلك على الطفل كذلك وقد يكون له جانب وراثي.
إحباط الكبار للصغار في أثناء الحديث.
تعود الطفل على اللعب المنفرد ويعود ذلك إلى ما هو متوافر من تقنيات العصر من حاسب آلي وبرامج البلاي ستيشن وتوافر أجهزة التلفاز والفيديو والقنوات الفضائية الخاصة بالطفل.
وهنا أعرض بعض الاستراتيجيات للتغلب على معضلة الاكتئاب عند الطفل، وعلى الرغم من أهمية التشخيص الفردي إلا أنني أرى أن مثل هذه الاستراتيجيات قد تنفع بإذن الله، ومنها:
الادماج في المناشط الاجتماعية والرياضية فالزيارات للأقارب وللأصدقاء واللعب الجماعي مع بقية الأطفال يكسب الطفل الأسلوب الأمثل للتكيف مع البيئة.
تخفيف الضغوط النفسية على الطفل.
البعد عن التركيز على سلبيات الطفل ونقاط ضعفه.
تعويد الطفل على التفاؤل والثقة في الذات.
تعويد الطفل على المشاركة في البيت والمدرسة قولاً وفعلاً.
جعل الطفل يتحمل جزءاً من المسؤولية بحسب سنه وقدراته.
إذا أحس الأب أو الأم بقلق بالغ لأعراض الطفل وصعوبة في التغلب على تلك الأعراض فينبغي المبادرة إلى زيارة الإخصائي النفسي للتشخيص السليم ولتقديم العلاج الفردي والجماعي المناسب أو تصميم برنامج علاجي أو وقائي بحسب حالة الطفل، وإذا استدعى الأمر العرض على الطبيب النفسي لتلقي العقار الدوائي المناسب للطفل وفي الغالب لا يصاحبها أعراض جانبية إن شاء الله.
للتواصل على البريد الإلكتروني:
|