Friday 4th april,2003 11145العدد الجمعة 2 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لا تسرقوا هبّة الجماهير لا تسرقوا هبّة الجماهير
إسماعيل الطاهر

الجماهير الفلسطينية التي خرجت للشوارع الأشهر الماضية في حركة عفوية غاضبة للإعلان عن رفضها لكل ذلك الإذلال الذي كان يمارسه جيش الإرهاب الصهيوني على مقرات السلطة الوطنية الفلسطينية في تلك الليلة من خلال تهديداته بهدم تلك المقرات على رأس من فيها من كبار قيادات السلطة الفلسطينية بما في ذلك الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات نفسه المفروض عليه الحصار للمرة الثالثة خلال عامين.
هذه الجماهير الغاضبة التي خرجت وتحركت في شوارع المدن الفلسطينية دون أن يطلب منها أحد ذلك وتحدت إجراءات فرض الحصار ومنع التجوال تتصدى بصدورها العارية لرصاص جيش الإرهاب الصهيوني ولتقدم للعالم كله جزءا من الغضب الشعبي الذي ملأ قلبها وعقلها نتيجة استمرار الاحتلال ونتيجة استمرار عمليات الإذلال الذي لا يمثل له حتى في تاريخ النازية وعصور الظلام الموغلة في القدم، هذه الجماهير كانت تعبر بغضبها وخروجها وتحديها للرصاص والقنابل عن سخطها وغضبها من كل تلك المهزلة التي خرجت باسم وهم السلام مع الأعداء الصهاينة التي حاول من خلالها البعض تمرير مقولة إمكانية التعايش مع تلك الشراذم التي لا تعترف إلا بالقتل والسحل ولا تؤمن سوى بلغة الرصاص ولا تعترف بحق غيرها في الحياة استناداً إلى خرافات أدخلها حاخاماتهم في عقولهم منذ أزمنة بعيدة ولا يمكن نزعها منها بسهولة.
وكان يمكن لهذه الجماهير الغاضبة المتحدية بصدورها العارية وبأبنائها وبناتها المشاركين معها في صنع ملحمة الغضب تلك الليلة ان تحقق أكثر مما حققت ان تقلب كافة الموازين والحسابات التي صنعتها أيادي الصهاينة وحماتهم في عواصم الغرب، ومن صدق أوهامهم وسار معهم على نهجها منذ أكثر من عشر سنوات حتى الآن، كان يمكن لتلك الجماهير أن تحقق المعجزة حقا لو ان حركتها العفوية تلك استمرت متصاعدة بنفس وتيرتها وزخمها الذي عبرت عنه خلال الساعات الأولى للتحرك، وقبل أن يسارع البعض للالتفاف عليها وتسخير تحركها التلقائي لخدمة أهداف أخرى غير تلك التي خرجت من أجلها التي كانت هي محركها ودافعها تلك الليلة ومن أجله خرجت لتتحدى رصاص الصهاينة بكل جرأة ودون خوف حتى من الموت نفسه.
لقد كان واضحاً أن شعارات تلك الجماهير واستهدافاتها تلك الليلة قد حرّفت عن مقاصدها الحقيقة بحيث تحولت مطالبها المعلنة عن وقت هذا الإذلال الصهيوني، ووقت إجراءات الحصار والتجويع والقتل المتعمد وتحدي الصمت العربي والدولي الذي استمرأ رؤية أبناء فلسطين ودبابات الصهاينة تطحن عظامهم ليلاً ونهاراً، تحولت تلك المطالب الشرعية التي وجدت صداها السريع في ساحات العالم كله بنفس السرعة والتلقائية التي حركتها تلك الليلة، الى شعارات ومطالب أخرى لا علاقة لها بالإذلال، والحصار، والتجويع، والرعب، وحضر التجول، لتصبح المطالب الجديدة تتحدث عن عملية استفتاء اخترع الشعب القيام به في منتصف الليل.
أقول .. لقد سرقت هبّة الجماهير الفلسطينية منذ الساعات الأولى لها وتلاعب بها البعض ممن كان يمكن لهم ان يفعلوا بخروجها واندفاعها المتحدية تلك الليلة العظيمة الشيء الكثير، التي كان بإمكانها أن تدك حتى وهي بدون سلاح معاقل جيش الاحتلال المحاصر لرام الله وكافة المدن الفلسطينية، وحتى لو سقط منه الآلاف لتؤكد للعالم كله حقها في الحياة، وحقها في وطن حتى ولو كان مجزأ، وحتى لو لم يكن هو نفسه الوطن الباقي في حلم الذاكرة منذ نصف قرن.
كان يمكن لتلك الجماهير الغاضبة المتحدية ان تحقق ماعجزت عنه الدبلوماسية ولعبة الكراسي الموسيقية، واجتماعات اللجان، واللجان المتفرعة عنها، ولجان تفسير الكلمات، ولجان ترتيبها، التي لا تنتهي أبداً، ولا إمكانية لرؤية إمكانية انتهائها في الأمد المنظور.
ولأن الجماهير الفلسطينية واعية، فقد خبرت بتجاربها وسجل كفاحها الطويل كيف تمت عملية تحريف خروجها التلقائي العفوي وتحديها للحصار والرصاص، ومن ثم فإنها سرعان ما عادت الى بيوتها مرة ثانية متحملة استمرار فرض سلطات الاحتلال للجوع والعطش والحصار المحكم عليها، وعلى عوائلها تاركة من حرّف الهبة التلقائية وحده في الميدان ليواصل استمرار التأكيد بأن ما حدث كان عملية استفتاء .. لا أكثر ولا أقل.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved