حروب إسرائيلية بأدوات أمريكية

يتندر الأمريكيون فيما بينهم، ولكن بمرارة، عن كيف ان رئيسهم أصبح عميلاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون ، وكيف ان إستراتيجية بوش تبدو وكأنها مأخوذة من صفحات مجلة «كومنتاري» وهي المجلة التي يصدرها اليهود الأمريكيون.
ما ذكرناه يشير الى نفوذ متزايد الى عصبة من المحافظين الجدد يسعون الى اقحام الولايات المتحدة في سلسلة من الحروب التي لا تخدم مصالحها وإنما تخدم في المقام الأول إسرائيل.
وفي حين تبدو المواقف والسياسات الأمريكية والاسرائيلية متطابقة فإن المفارقة تأتي من كون ان هذا التطابق يخدم مصلحة اسرائيل وليس مصلحة أمريكا.
فالمحافظون الجدد المسؤولون عن هذه الصيغة من العلاقات المتطابقة الذين سعوا لأجل ان تكون متطابقة حرصوا على عزل أمريكا عن دول العالم العربي وتقويض العلاقات بينها وبين دول عربية عديدة لأن هذه الدول تتحدى إسرائيل.
وبالطبع هناك من يتصدى لهذه المخططات الشيطانية التي ينفذها رجال الدائرة القريبة للغاية من الرئيس الأمريكي، لكن الذين يتصدون لها سرعان ما يوصمون بأنهم معادون للسامية، ويكفي اطلاق هذه العبارة ليلقى من يوصم بها الكثير من المتاعب وربما فقد منصبه أو تم وضع العوائق أمامه لسبب واحد انه يتصرف ضد مصالح إسرائيل التي يصورها المحافظون الجدد على أنها هي ذات مصالح الولايات المتحدة الأمريكية.. والتي ينبغي للأمريكي ان يموت من أجلها في ساحات الوغى.
أما الحرب الحالية ضد العراق فقد كانت من بين النصائح «الاجبارية» التي كان على بوش ان يقبلها وإلا فإن عليه حرمان نفسه من دعم عصبة من المحافظين الجدد الذين أشاروا عليه بذلك ومن ضمنهم جين كيركباتريك المندوبة الأمريكية السابقة في الأمم المتحدة، وقالت النصيحة «ان عدم الهجوم على العراق يشكل استسلاما مبكراً أمام الإرهاب الدولي».
وقد جاءت هذه النصيحة لبوش بعد أربعة أيام فقط من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، التي استغلها المحافظون الجدد ووجدوا فيها فرصة نادرة لتصفية حساباتهم الدولية، حيث دعوا في اليوم الثاني «12/9» بينما كان الشعب الأمريكي غارقاً في الصدمة دعوا الكونجرس الى اعلان الحرب ضد عدة دول اسلامية من بينها العراق باعتبار انها هي التي تهدد أمريكا ولم يكن بين تلك الدول أفغانستان حيث كان يوجد تنظيم «القاعدة» الذي اعترف بأنه وراء تفجيرات سبتمبر.
وتفيد نظرة سريعة الى قائمة الدول التي يقترح المحافظون الاعتداء عليها انها لا تكن عداء للولايات المتحدة وإنما هي ترفض الهيمنة الاسرائيلية على أرض فلسطين رغم انها ترضى بأن تكون اسرائيل ضمن دول المنطقة.. إذا استجابت اسرائيل لدواعي السلام العادل والشامل الذي يتيح لها العيش بسلام ضمن دول المنطقة، لكن اسرائيل تتطلع الى استعباد الآخرين والهيمنة على الأرض والتفوق على كل ما حولها بقوة السلاح وبقوة الولايات المتحدة التي تسخرها لخدمة الأهداف الاسرائيلية وبالطريقة التي تبعد واشنطن عن أصدقائها بالمنطقة وعن مصالحها فتغدو بالتالي رهينة لأوامر ومصالح اسرائيل.
إن هؤلاء الذين يسعون لعزل أمريكا عن الامتدادات الحيوية لعلاقاتها وصداقاتها لا يتورعون عن وصم أولئك الأصدقاء بأبشع الأوصاف وتوصف الدول الأكثر استقراراً والأكثر ايجابية في التعايش مع الآخرين بأنها «نواة الشر» بينما يتم استثناء اسرائيل من كل صفات الشرور والاثام رغم انها مصدر كل المصائب في هذه المنطقة من العالم.