العمل هو المعيار الحضاري الأول في سياق حياة الإنسان، فالإنسان الذي يعمل هو الذي يمارس الأمر الذي استخلفه الله عليه في الأرض، والذي لا يعمل هو الذي يخالف ذلك، لا شك أن مجموع الأفراد يشكل الأمة، والأمة التي تعمل هي بطبيعة الحال غير الأمة التي لا تعمل، والعمل هو الذي يأخذ بيد الإنسان نحو سعادة الدارين لو كان خالصاً لوجه الله تعالى، على أي حال فإننا نأخذ العمل بهذا المنحنى وهذا القصد الذي يهدف به الإنسان العطاء والخير والإنجاز والإنتاج.
إننا إذ نعمل ذلك فإننا نبتعد عن العمل الذي يأخذ بيد صاحبه نحو الشر والعياذ بالله ويورده المهالك في الحياة الدنيا والآخرة، وهذا النوع من العمل لا يستحق أن نسميه عملاً، لأنه نوع من الشر والبعد عن الخير، وهذا لا يأتي إلا من إنسان عمي بصره، وضل طريق الصواب وابتعد عن طريق الحق.
ونعود للعمل المشرف الذي يعد الأساس الذي تبنى عليه حضارة الإنسان ورقيه وتطوره، وهذا العمل لكل إنسان نصيب منه يختلف حسب العمر، والجنس، والعرق، والثقافة، والإمكانيات والعصر وغير ذلك من الظروف، وبالمحصلة نجد البشر يجتمعون على شكل مؤسسات وهيئات ودوائر على أنماط متعددة اجتماعية واقتصادية ومختلفة تنتظم حياتهم ويكون الناتج المجمل تعاون بشكل ما للوصول للغاية المطلوبة، وهؤلاء الذين يعملون بعد انغراسهم في جو العمل ينقسمون إلى نوعين: النوع الأول هو الذي يقوم بعمله الموكل إليه ليأخذ نتيجته أو راتبه حسب نظام معين وفي دوام معين وفي كيفية معينة ولا ينظر للأفق الأبعد من منظومة العمل بل يعرف ان عليه ساعات يجب ان تُقضى ولحظات يجب أن تمضي وراتب يجب أن يُعطَى.
والنوع الآخر هو الذي يعمل ولكنه لا يعرف الكلل، ينتج ولا يحسب الساعات، يعطي ولا ينتظر الثناء والشكر، يجند كل قواه وطاقاته لإنجاح عمله، ليس هذا فحسب، بل يحاول الإبداع بعمله للوصول به إلى أرقى درجات الإنجاز والإثمار، انه فنان حقا بعمله، وهو الذي يسير بالعمل من جيد إلى أفضل ومن رائع إلى أروع، وبه تتقدم الحياة وتتطور وترقى سبلها وأفنانها وأشكالها.
النوع الأول هو العامل قدر الحاجة، والنوع الثاني هو العامل العاشق، وشتان ما بين عشق وواجب، فالعشق يدفع المتيم لكي يذوب هوى في محبوبه وهو هنا العمل، وأداء الواجب، ولا بد أن يدفع بصاحبه الى نسيان كل شيء بعد انتهاء فترة العمل.
إننا بالطبع نقول ان على الجميع أن يؤدي واجباته، ولكننا نلح على أن يحاول الجميع السعي بما يستطيعون للحاق بركب العشاق الهائمين بحب معشوقهم، ومن هنا أعود وأؤكد انني استثنيت من مقارنتي الكسالى والمهملين والمتسيبين والهاربين والمماطلين والمعطلين والمتعطلين والمزعجين وأمثالهم وهم ليسوا بالقلة، ولكن ندعو الله أن يزيلهم كونهم عقبات في طريق سعادة البشر..
ان العمل حياة، والحياة جهد، والجهد حب، والحب عشق، والعشق هيام، والهيام بذل، والبذل عطاء، والعطاء لا حدود له، وهذا ما نريده من كل أبناء هذه الأمة، وخصوصاً شبابنا في هذه البلاد فليكن عملهم بالمحصلة عشقاً لا تحده حدود، والثمار ينالها الجميع، والله نسأل حسن القصد وصواب العمل.
|