بيننا وبين الفلسطينيين حرب حتى الموت طالما للفلسطينيين أمل فإن المقاومة ستستمر ولهذا يجب قتل ذلك الأمل في نفوسهم كي يكفوا عن مقاومتنا..و علينا أن نفرض عليهم السلام الذي يناسبنا وليس السلام الذي يناسبهم المسألة في غاية الأهمية بالنسبة لإسرائيل: يجب القضاء على أمل الفلسطينيين، يجب أن تنجح إسرائيل في ذلك هذا ما يقوله عوزي لانداو وزير الداخلية الإسرائيلي في مقابلة تلفزيونية أجريت معه غارسا مسمارا جديدا في جسد القضية الفلسطينية مضيفا بنفس العنف اللفظي: ما يجب أن يعرفه العالم أننا لن نسمح أبدا بوجود دولة فلسطينية، لأن إقامة دولة للفلسطينيين يعتبر كارثة حقيقية.
حلم شارون
ذلك التطرف الإسرائيلي الذي يعبر عنه وزير داخلية إسرائيل بصوت عال هونفسه الذي يردده أعضاء الليكود وحتى حزب العمل في سرهم وهو نفس التطرف الذي يعمل شارون على تحقيقه عمليا ربما بسرعة الضوء حين تبدو الحرب الإسرائيلية الأمريكية على الفلسطينيين حرب ابادة حقيقية وإن كانت سياسة شارون تبقى غامضة رسميا إلا أنه لا يخفي أنه يسعى بكل ما أوتي من قوة لتحقيق حلمه القديم : التخلص من ياسر عرفات وبالتالي كسر السلطة الفلسطينية وإلغاء دورها نهائيا يجب تقزيم كل البنود التي جاءت في اتفاقية أوسلو، و قتل كل أمل لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة ويجب إبقاء المستوطنات وتوسيع أماكنها و دعمها بالسلاح.
يقول شارون مستعرضا مشروع السلام الذي أراد أن يوافق عليه الفلسطينيون أمر غريب أليس كذلك؟ غريب لأن شارون لا يعطي شيئا ولأنه في الوقت نفسه يطالب بكل شيء يريد أن يكف الفلسطينيون عن المقاومة بتدمير بيوتهم وتشريد أسرهم وقتل أبنائهم، شارون يقول إنه الوحيد الذي يعرف كيف يفكر الفلسطينيون هذا ليس صحيحا الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها من قبل و يرتكبها اليوم تدل على أنه لا يعرف شيئا، و أنه في النهاية يمارس سياسته بمزاج عسكري متعصب فحسب . هل على الفلسطينيين أن يكتفوا بكرم الإسرائيليين الذين منحوا لهم «دويلة» مساحتها 40 % فقط من الضفة الغربية ؟ من الصعب فهم تلك السياسة بعد ذلك..
عملية فدائية
هذه المرة أيضا حدثت ردة الفعل.. عملية فدائية في «ناتانيا» بالقرب من تل أبيب .. عملية غاضبة نفذها شاب فلسطيني لم يعد يحتمل الظلم الكثير ربما جاءت في الوقت الذي أراد فيه شارون القضاء على الفلسطينيين بكل الطرق..بما في ذلك الطرق الدبلوماسية التي يريد من خلالها رئيس وزراء إسرائيل محاصرةالسلطة الفلسطينية. وبالذات ياسر عرفات الذي يتهمه حزب الليكود بالإرهاب. عرفات لا يغادر مقره الرئيسي ولا يسمح له بمغادرة مدينته المحاصرة بالنسبة للإسرائيليين فإن الكأس قد امتلأت خاصة أمام العمليات الفدائية التي لم تهز إسرائيل سياسيا فحسب بل و هزت اليوميات الإسرائيلية طبعا.
كارثة إسرائيلية
سبعة من عشرة من الإسرائيليين فقدوا الرغبة في العيش داخل إسرائيل يشعرون أن فقدان الأمن ليس نتيجة المقاومة الفلسطينية فقط بل نتيجة السياسة الإسرائيلية.. يحملون شارون جل ما يحدث لهم ويعتبرون استمراره كارثة حقيقية سوف تصيبهم آجلا أم عاجلا .. شارون يدرك ذلك حتما لهذا فهو يسارع في الأمور يدرك أن الولايات الأمريكية إلى جانبه يدرك أنه يملك الوقت كي يمضي بعيدا في حربه التدميرية تلك رافضا ترك الوقت للدول العربية كي تسترجع قواها..المساومة هي الطريق الذي يبدو شارون ماشيا فيه .. المساومة على الحرب وعلى السلام معا ..لهذا السبب استدعت إسرائيل 20000 من الاحتياطيين، للبدء في محاصرة رام الله ، قلقيليا، طول كرم، بيت لحم والقرى المجاورة و طبعا جينين التي شهدت في 3 ابريل من السنة الماضية أبشع جريمة حرب نفذها الجيش الإسرائيلي ضد الإنسانية معظم مناطق الضفة الغربية أعادت إسرائيل احتلالها كل عملية حصار جديدة تحاول المقاومة الفلسطينية مواجهتها بعملية فدائية..إسرائيل تريد الحرب والمقاومة الفلسطينية ( ومعها كل الشعب الفلسطيني) لا تقبل بغير النصر ..إسرائيل تتهم مناضلي حماس والجهاد الإسلامي بالإرهاب في الوقت الذي فيه تبيد أكثر من ألف دبابة إسرائيلية آلاف المنازل غير تاركة الفرصة لسكان تلك المنازل بإخراج شيء قبل الهدم ولا حتى الأوراق الثبوتية نتذكر جميعنا فجر 29 مارس من السنة الماضية تقدمت أكثر من 60 دبابة و 100شاحنة عسكرية محصنة و 2500 جندي مدعمين بالطائرات المروحية احتلوا رام الله. ياسر عرفات هو العدو رقم واحد لإسرائيل وللعالم الحر انه يعيق عملية السلام ويشكل خطرا على المنطقة ككل يقول أرييل شارون الذي استدعى الصحافيين الساعة الثامنة صباحا لإخبارهم بذلك. شاهدنا يومها بأم أعيننا كيف كانت الدبابات بدعم من الطائرات المروحية الإسرائيلية تهدم المنازل بغير تمييز.. شاهدنا الأطفال يركضون في كل اتجاه والنسوة وهن يصرخن طالبين النجدة.. شاهدنا كيف كانت إسرائيل تسعى إلى السلام على جثثت هؤلاء العزل لهذا حين قال شارون ما قاله تمنى كل واحد من الحاضرين أن يبصق على وجهه! زميل صحفي من أسبوعية لوروا البلجيكية قال لي: اسمعي ما يقوله هذا الرجل لقد فقد العالم صوابه !
مجزرة إسرائيلية
كانت الدبابات الإسرائيلية متوجهة نحو حي المقاطعة التي يأوي المقر الرئيسي للرئيس ياسر عرفات، كانت الطائرات المروحية تطلق النار على مقر القيادة العسكرية( الأمن الوقائي) .. توقفت الدبابات على بعد 10 أمتار فقط من مكتب عرفات تاركة له غرفتين فقط يتنقل بينهما محاصر بلا ماء ولا كهرباء محاط بعدد صغير من الأوفياء ( رئيس الأمن الوطني والناطق الرسمي نبيل أبو ردينة) وبعض الحراس. انتظر عرفات أربعة أيام قبل أن يسمح لمهندسين كهربائيين بإصلاح مواسير الماء لإعادة الكهرباء التي كانت تقطع بأمر من شارون نفسه كان العمال ينزعون ثيابهم كاملة أمام الجنود الإسرائيليين للتأكد من أنهم لا يحملون أسلحة ! كان الجنود يطلقون النار عمدا على الأشخاص المغادرين من المقر الرئيسي للرئيس عرفات في رام الله انتقينا يومها شهادات حية عن عدد التصفيات التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الذين كانوا ينزعون ثيابهم بأمر من الجنود الإسرائيليين ثم يطلق عليهم النار ببرودة دم.. كم عدد القتلى في صفوف الفلسطينيين يومها؟ لا أحد يعرف العدد الدقيق لكن العالم عرف أنها كانت مجزرة إسرائيلية مرتكبة ضد المواطنين الذين معظمهم كان رافعا يديه وعاريا بأمر من الجنود. الإسرائيليون اعترفوا أنهم ألقوا القبض على 700 فلسطيني في مدينة رام الله ولكن خوزي بوفي الذي طردته إسرائيل بعد أن جاء مع مجموعة من المسالمين الأوروبيين للالتقاء بالرئيس ياسر عرفات لدعمه معنويا قال إنه شاهد بأم عينه ما لا يقل عن 300 فلسطيني راكعين على الأرض صدورهم عارية، وأعينهم مغمضة بلاصق أسود ينتظرون التحقيق معهم أو الإعدام. كان ذلك قبل عام .. العالم لم ينس تلك المشاهد المروعة، الفلسطينيون يتذكرون كل هذا بإحساس من الظلم .. و شارون يتذكر ذلك أيضا بإحساس من الفخر.. لكن الأسئلة الكثيرة تبدو اليوم أكثر أهمية من أي وقت آخر : ماذا ينتظر شارون من الفلسطينيين؟ أو بالأحرى هل من حق شارون أن يطلب من الفلسطينيين أن يكفوا عن الدفاع عن أطفالهم و نسائهم وبيوتهم ؟ هل من العدل مساندة رجل يريد السلام على جثث شعب بأكمله؟ الفلسطينيون محاصرون أكثر من أي وقت .. ليس ثمة شك أن لعبة الحصار إسرائيلية محضة بالخصوص حين يتعلق الأمر بكوادر المقاومةالذين يسقطون يوميا بطلقات الأباتشي المتطورة هدف الإسرائيليين ليس ذلك فقط بل أيضا تفكيك البنية الاقتصادية الفلسطينية بحيث لن يكون بالامكان الحديث عن المقاومة بل عن الخبز فقط.. الشيء الثاني يكمن في الوثائق الفلسطينية التي استولت إسرائيل عليها وهي وثائق تشمل السكان (النمو الديمغرافي) والوضع الاجتماعي لكي تسعى إلى إثبات أن السلطة الفلسطينية ساهمت في دعم منظمتي حماس و الجهاد الإسلامي وبالتالي تجريد الفلسطينيين من أي حق في إقامة دولتهم وبإعادة الهيكلة المؤسساتية والبنكيةالتي تعني طبعا قوة أي دولة ..
الدعم الأمريكي
مرة أخرى الدعم اللوجستي يأتي من الولايات المتحدة التي تبدو الأكثر دعماً لسياسة أرييل شارون الدموية شارون لم يتغير قط معتبرا أن حربه على الفلسطينيين حربا شخصية معتمدا على صمت المجتمع الدولي وانهيار المصداقية الدبلوماسية الدولية وانشغالها بالأزمة العراقية لفرض نفس الحصار على الفلسطينيين. الوضع العام في فلسطين يعيش مأساة إنسانية حقيقية .. أربعة من ستة فلسطينيين لا يجدون عملا ناهيك عن الوضع الاقتصادي المتردي نتيجة الحصار مع ذلك لم يأبه أحد أن ثمة شعوباً عربية تلتهب في أعماقها مدركة أن جورج بوش لا يريد حل أزمة الشرق الأوسط لأنه بامكانه في النهاية الضغط على شارون لأجل توقيف العمليات العسكرية ضد المناطق الفلسطينية المدنية مثلما يستطيع الضغط عليه لأجل السير نحو سلام حقيقي ودائم في المنطقة.
مبادرة واقعية
المبادرة السعودية الخاصة بأزمة الشرق الأوسط كانت من أكثر المشاريع واقعية ربما لأنها أعادت القضية إلى العالم بشكل أكثر جدية فالأرض مقابل السلام ليست فكرة سيئة في نهاية الأمر طالما توجد قرارات في الأمم المتحدة تتناول آليا حدود ما بعد 1967 كحق للشعب الفلسطيني.. ربما سيستمر شارون في إحراج السلطةالفلسطينية .. سيسعى للمزيد من عزل الرئيس الفلسطيني سياسيا وعمليا ربما سيسعى إلى حرمان الشعب الفلسطيني من دولة يطالب بها منذ سنوات طويلة ومريرة، ربما سيسعى أيضا إلى القضاء على الأمل الفلسطيني ولكن هذا المهم لا يستطيع القضاء على المقاومة التي تتجدد في أجيال من الفلسطينيين. المقاومة التي يخافها الإسرائيليون كثيرا لأنها عادة ما تنفجر عبر أي عملية فدائية يسمع صاحبها واقع فلسطين في الخارج أكثر من ذلك قطعا هو أن إسرائيل ستخسر روحها فالعمل القذر الذي يمارسه شارون سوف يترك الأثر في نفوس الجميع بمن فيهم اليهود الذين زرعوا في المنطقة منذ أكثر من خمسين سنة .. سياسة انتحارية سوف تفجر المنطقة كلها لأن شارون يعتبر ابادة الشعب الفلسطيني حربه الخاصة!
الإعلام المكمم
في كل حرب حديثة يبدو الإعلام سلاحا فتاكا إسرائيل تعرف ذلك ولهذا فهي تفعل كل شيء لإحراج و لإزعاج المراسلين الصحفيين القادمين من بعيد لتغطية الأوضاع في الأرض المحتلة الجيش الإسرائيلي يشتكي دائما من عدم الانسجام في الثقافة السياسية للدولة العبرية التي نجحت في فرض قانون الحصار على الخبر عبر العديد من الصحف الهدف منه تقزيم المقاومة الفلسطينية ووصفها بالإرهاب وبالتالي التقليل من قيمة السلطة الفلسطينية، إن لم نقل من شخصية ياسر عرفات نفسه عبر وصفه بالإرهابي الشرس. ثمة تحكم عسكري شبه كامل في المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية المكتوبة والمسموعة والمرئية لأجل السيطرة على الخبر الضروري والذي يشمل اللاحقيقة حين يتعلق الأمر بالعمليات العسكرية الإسرائيلية داخل المدن الفلسطينية المحاصرة. الصحفيون الفلسطينيون هم أكثر الأشخاص إهانة من قبل الجيش الإسرائيلي بحيث اعتقالهم يوميا صار شبه عادة ثمة صحافيون فلسطينيون يعملون في مؤسسات إسرائيلية هؤلاء يعانون من التهميش الكلي أحيانا تقطع رواتبهم لشهور طويلة الأدهى من هذا كله هو أن الصحافيين يصبحون هدفا سهلا للرصاص الإسرائيلي. الفرقة الصحفية التابعة لقناة فرانس 2 التلفزيونية الفرنسية تعرضت إلى إطلاق نار من قبل الجنود الإسرائيليين في طريق رام الله حسب جمعية «صحافيون بلا حدود» فقد تم تسجيل 71 إصابة في صفوف الصحافيين منذ بدء الانتفاضة.. طبعا الجيش الإسرائيلي تلقى الضوء الأخضر لإطلاق النار على كل من يتحرك بمن في ذلك الصحفيون الأجانب. يقول مسئول الجمعية الصحفية الحرة روبرت مينار: لن تقدر الصحافة على تغطية أشياء كثيرة في الأرض المحتلة لأن إسرائيل تخوض حربا شرسة هناك، ليس على الصعيد العسكري بل وعلى الصعيد الإعلامي أيضا لأن إسرائيل أعلنت حالة حرب على الحقيقة أيضا !
* المصدر: «لوبوان» الفرنسية - خدمة الجزيرة الصحفية
|