Friday 4th april,2003 11145العدد الجمعة 2 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رسالة إلى مغرور رسالة إلى مغرور
د. محمد بن عبدالرحمن البشر

استعرت هذه الرسالة التي أرسلها «ابن زيدون» حين قال:
أما بعد أيها المصاب بعقله، المورط بجهله، البين سقطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب، فإن العجب أكذب، ومعرفة المرء نفسه أصوب، وإنك راسلتني مستهدياً من صلتي ما صفرت منه أيدي أمثالك، متصدياً من خلتي لما قرعت دونه أنوف أشكالك، لقد خيلت أن قارون أصاب بعض ما كنزت، والنطفَ عثر على فضلِ ما ركزت، وكسرى حمل غاشيتك، وقيصر رعى ماشيتك، والإسكندر قتل داراً في طاعتك، وأردشير جاهدَ ملوك الطوائف بخروجهم عن جماعتك، والضحاك استدعى مسالمتك، وجذيمة الأبرش تمنى منادمتكَ، وشيرين قد نافست بوران فيكَ، وبلقيسَ غايرت الزباء عليك، وأن مالك بنْ نُويرةَ إنما أردف لكَ، وعروةَ بن جعفرَ إنما رحلَ إليكَ، وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزتكَ، وجساساً إنما قَتلهُ بأنفتكَ، ومهلهلاً إنما طُلبَ ثأرهُ بهمتكَ، والسموءلَ إنما وفى عن عهدكَ، والأحنفَ إنما احتبى في بردتكَ، وحاتماً إنما جادَ بوفركَ، ولقي الأضياف ببشركَ، وزيدَ بن مهلهلٍ إنما ركبَ بفخذيكَ، والسليك بن السلكةِ إنما عدا على رجليكَ، وعامر بن مالكٍ إنما لاعب الأسنة بيديك، وقيس بن زهيرٍ إنما استعان بدهائكَ، وإياس بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائكَ، وسحبان إنما تكلمَ بلسانك، وعمرو بن الأهتم إنما سَحرَ ببيانكَ، وأن الصلحَ بين بكرٍ وتغلبَ تم برسالتكَ، والحمالات بين عبسٍ وذبيان أسندت إليه كفالتكَ، وأن احتيال هرمٍ لعلقمة وعامرٍ حتى رضيا كان ذاك عن إشارتكَ، وجوابهُ لعمر وقد سأله عن أيهما كان ينفرُ وقع عن إرادتكَ، وأن الحجاج تقلدَ ولاية العراق بجدكَ، وقتيبة فتحَ ما وراء النهر بسعدكَ، والمهلبَ أوهن شوكة الأزارقة بيدكَ، وفرقَ ذات بينهم بكيدكَ، وأن هرْمسَ أعطى بلينوس ما أخذ منك، وأفلاطون أورد على إرسط طاليسَ ما نقلَ عنكَ، وبطليموس سوى الإصطرلابَ بتدبيركَ، وصور الكرة على تقديركَ، ويقراط علم العلل والأمراضَ بلطفِ حسكَ، وجالينوس عرفَ طبائعَ الحشائش بدقةِ، حدْسكَ، وكلاهُما قلدك في العلاج، وسألكَ عن المزاج، واستوصفك تركيبَ الأعضاء، واستشاركَ في الداء والدواء، وأنك نهجتَ لأبي معشر طريق القضاء، وأظهرتَ جابر بن حيان على سير الكيمياء، وأعطيت النظام أصلاً أدْركَ به الحقائق، وجعلتَ للكِندي رسماً استخرجَ به الدقائقَ، وأن صناعة الألحان اختراعُكَ، وتأليف الأوتارِ والأنقار توليدكَ وابتداعُكَ، وأن عبدالحميد بن يحيى باري أقلامكَ، وسهلَ بن هارون مدونَ كلامِكَ، وعمرو بن بحرٍ مْستمليكَ، ومالك بن أنس مْستفتيكَ، وأنك الذي أقام البراهين، ووضع القوانينَ، وحَد الماهية، وبين الكيفية والكمية، وناظرَ في الجوهرِ والعرض، وميز الصحةِ من المرض، وفكَ المُعمى، وفصلَ بين الاسم والمُسمى، وصرف وقسم، وعدلَ وقومَ، وصنفَ الأسماء والأفعالَ، وبوب الظرفَ والحال، وبنى وأعْربَ، ونفى وتعجب، ووصلَ وقطعَ، وثنى وجمعَ، وأظهرَ وأضمرَ، واستفهمَ وأخبرَ، وأهملَ وقيدَ، وأرسلَ وأسندَ، وبحثَ ونظرَ، وتصفحَ الأديانَ، ورجحَ بين مذهبي ماني وغْيلانَ، وأشار بذبح الجعْد، وقتل بشار بن بُرد، وأنك لو شئتَ خرقت العاداتِ، وخالفت المعهودات، فأحلتَ البحار عذبة، وأعدتِ السلام رطبة، ونقلتَ غداً فصار أمساً، وزدتَ في العناصر فكانت خمْساً، وأنك المقول فيه:


«كل الصيدِ في جوفِ الفرا»
ليس على الله بمُستنكرٍ
أن يجْمعَ العالمَ في واحدِ
والمعني بقول أبي تمام:
فلو صورت نفسكَ لم تزدها
على ما فيك من كرم الطباع
والمُرادُ بقول أبي الطيب:
ذكر الأنامُ لنا فكان قصيدةً
كُنت البديعَ الفردَ من أبياتِها

فكدمْتَ في غير مكدمْ، واستسمنتَ ذا ورم، ونفخَتَ في غير ضرم، ولمْ تجد لريحٍ مهزاً، ولا لشفرةٍ محزاً، بلْ رضيت من الغنيمةِ بالإيابِ، وتمنيتَ الرجوع بخُفي حُنين، لأني قلتُ:
«لقد هانَ من بالتْ عليه الثعالبُ» وأنشدتُ:


على أنها الأيامُ قد صرن كُلها
عجائبُ، حتى ليس فيها عجائبُ

ونخرتُ وبسرتُ، وعبستُ فكفرتُ، وأبدأتُ وأعدتُ، وأبرقتُ وأرعدتُ وهممتُ ولمْ أفعلْ وكِدتُ وليتني، ولولا أن للجوار ذمة، وللضيافة حرمة، لكان الجوابُ في قذال الدمُستق والنعلُ حاضرة إن عادت العقربُ، والعقوبة ممكنة إن أصر المذنب.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved