الحرب الأنجلو أمريكية التي تستعر أوارها الآن في الشرق الأوسط تعد بدون شك من أشنع الأعمال العدوانية التي شنتها الحكومة البريطانية في العصر الحديث والهجوم على العراق شن بدون أدنى بادرة استفزاز من الجانب العراقي أو تهديد لبريطانيا أو الولايات المتحدة مما يعد خرقا واضحا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. من الضروري الخوض في تاريخ الاحتلال لنبحث عن سابقة مشابهة لهذه الحملة العدوانية.
لقد كانت كل حروب بريطانيا السابقة على مر الثمانين عاما الأخيرة من أجل الرد على احتلال ما أو ثورة أو حرب أهلية أو حالة طارئة ولكن لا ينطبق ذلك على العراق. وتحت الدعاية الإعلامية المكثفة للحرب خفض صوت الرأي العام المعارض للحرب التزاما بنداء الواجب وذلك بعدما وضع نواب البرلمان وظيفتهم قبل مصلحة الناخبين وقبل ضميرهم عندما سمحوا لبلير أن يستمر في الحرب بدون أن يحصل على تفويض من الأمم المتحدة وامتنعوا عن انتقاد الحرب بسبب أن الجنود كانوا في خضم المعركة ولكن هذا ليس مبرراً للدفاع عن تلك الحرب سواء من الناحية الأخلاقية أو من ناحية المبدأ لأن ما يقومون به هو بمثابة جرائم حرب.
وقد وضحت الآن الأكاذيب التي روجت لتلك الحرب قبل شنها وهي أن العراقيين لن يقاتلوا ولكن سوف يرحبون بالقوات الأمريكية والبريطانية الغازية بأذرع مفتوحة وأن غالبية الجيش العراقي النظامي سوف يستسلمون بمجرد أن يروا وميض الشمس على الدروع الأمريكية وأن الحرب سوف تمكث ستة أيام فقط. كما صرح دونالد رامسفيلد مستذكرا هزيمة العرب في حرب الأيام الستة عام 1967 كما أصر موالوه من أقصى اليمين من الجمهوريين على أن الحرب سوف تكون بمثابة نزهة ولكن أيام رامسفيلد الستة ولت واستمرت المقاومة أمام أقوى آلة عسكرية في التاريخ في كل أنحاء العراق داخل وحول مناطق الغالبية الشيعية مثل النجف والناصرية والتي توقعت القوات الأمريكية والبريطانية أن تكون أقل المناطق رغبة في القتال وكذلك لم ينهر الجيش العراقي أو استسلم بأعداد كبيرة ولكن في المقابل قاموا بعمل غارات على القوات الأمريكية والبريطانية مع المقاتلين الموالين للنظام العراقي.
وقد أخبر أحد كبار القادة العسكريين الأمريكيين جريدة النيويورك تايمز: لم يكن لدينا إيمان وثيق بقدراتهم في حين اعترف آخر قائلا: لم نتوقع منهم أن يهاجمونا وقد كتبت جريدة الهيرالد تريبيون أن الشعب الذي رحب بالقوات الأمريكية كان أكثر برودة مما كان متوقعا وبلا شك أن الميليشيات المسلحة التابعة لحزب البعث لعبت دورا رئيسيا في تقوية المقاومة ولكن النطاق الذي كانت عليه المقاومة وقوة عزيمتها بالإضافة إلى التقارير التي أشارت إلى عودة المئات من العراقيين من سوريا والأردن للقتال كل ذلك يشير إلى أن تلك المقاومة يشعلها الحس القومي والكبرياء الديني فمعظم هؤلاء الناس لا يقاتلون من أجل صدام حسين ولكن من أجل الدفاع عن وطنهم وعدم الاعتراف بتلك الحقيقة الواضحة يعتبر غباء وتكبرا ولكن في المقابل تعرضنا إلى تلك الحملة القاسية من التمويه والتضليل الإعلامي مؤخرا بدءا من التقارير التي أشارت إلى وفاة طارق عزيز وصدام حسين ثم بعد ذلك المزاعم عن مصنع الأسلحة الكيماوية الذي عثروا عليه ثم بعد ذلك المزاعم بأن هناك ثورة في البصرة.
ثم خرج علينا وزيرا الدفاع الأمريكي والبريطاني في حديث إلى البي بي سي يصفون العراقيين الذين يدافعون عن بلدهم بأنهم إرهابيون ومنذ ما يقرب من 86 عاما أصدر الجنرال ستانلي مود بيانا لأهل بغداد والتي كانت قواته قد احتلتها على التو فقد أعلن: إن جيوشنا لم تأت لمدنكم وأراضيكم كمحتلين ولكن كمحررين وفي غضون ثلاثة أعوام مات عشرة آلاف بريطاني في الثورات الشعبية العراقية ضد الحكام البريطانيين الذين قصفوا هذه الثورة بالقنابل والغازات السامة وعشية الغزو الحالي صرح الجنرال تيم كولينز بكلام مشابه لكلام مود في خطبته للقوات البريطانية فقد قال: نحن ذاهبون للتحرير وليس للغزو وكل المؤشرات من الأيام القليلة الماضية تدل على أن هناك احتلالاً جديداً للعراق بصرف النظر عن الصورة التي تم تغليفه بها وسوف يواجهه جماعات مسلحة تقاومهم لفترات طويلة حتى بعد ذهاب صدام حسين ومرة أخرى سوف يتم طرد المحتلين.
(*)«الجارديان» اللندنية
|