الكثيرون منا أصابتهم الصدمة والرعب بسبب أحداث الاسبوع الماضي، أصابتهم الصدمة، لأن الأمريكيين والبريطانيين، بكل جبروتهم، لم يستطيعوا فرض تغيير قسري للنظام في العراق، وأصابهم الرعب بسبب قدرة اللجيش العراقي على الوقوف أمام مثل هذا الهجوم الضاري، باستخدام أسلحة بدائية بالمقارنة مع قوات الغزو، لكن يتعين علي الاعتراف ببطل من أوساط الفريق الغازي، إنه وزير الخارجية البريطاني السابق روبين كوك، الذي انسحب من الحكومة، التي قال إنها خرجت لهذه «الحرب دون اتفاق دولي أو تأييد داخلي».
إن كوك، حين انسحب من حكومة توني بلير في 18 مارس، قبل يومين اثنين من انطلاق أول رصاصة في الحرب، شكك في الحاجة لإعلان حرب ضد العراق بسبب عدم الالتزام بقرار للأمم المتحدة مضى عليه 12 عاما في حين تجاهلت إسرائيل قرارا مشابها لما يزيد عن 30 عاما.
قال كوك: «لماذا يصبح ملحا الآن أن نتخذ عملا عسكريا لتجريد العراق من قدرة عسكرية ظلت موجودة لديه لمدة عشرين عاما، وساعدنا نحن في إقامتها»؟
و«استمعت لما يقال من أن صبرنا قد نفد، لكن لقد انقضى ما يزيد عن 30 عاما على صدور القرار رقم 242 الذي يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة، نحن لا نعبر عن نفس القدر من نفاد الصبر تجاه الرفض المستمر للامتثال من قبل إسرائيل»، وأشار كوك إلى أنه على خلاف التدخل البريطاني في كوسوفو حيث كانت هناك مصادقة من حلفائها، في الناتو والاتحاد الاوروبي، فان صعوبة الحصول على تأييد هذه المرة تعود إلى أن المجتمع الدولي والرأي العام البريطاني معا ليسا مقتنعين بوجود سبب ملح وقاهر لهذاالعمل العسكري في العراق.
«إن بداية الحرب يصاحبها دائما زخم، لا أحد منا يستطيع أن يتكهن بمحصلة القتلى بين المدنيين من القصف المتوالي للعراق، غير أن تحذير الولايات المتحدة من حملة قصف تحدث «صدمة وروعا» يرجح أن تكون الخسائر بالآلاف على أقل تقدير».
لا بد أن كوك استبصر حربا طويلة الأمد، وهو قال: بعض أنصار الحرب يزعمون أن قوات صدام ضعيفة جدا، وذات معنويات متدنية وسيئة التجهيز وأن الحرب ستنتهي في أيام قليلة.
بعد سبعة أيام من بداية الحرب تلقيت رسالة إلكترونية من امرأة في الكويت، أشعر برغبة قوية في أن تشاركوني أفكارها لأن محتوى الرسالة يشحذ الأفكار، على أقل تقدير، تقول الرسالة:
«السلام عليكم زملائي الأعزاء.. كانت ليلة البارحة عاصفة، زمجرت الريح واضطرب البحر، اختفى برج الكويت، الذي يعتبر أبرز معالم المدينة، في المطر والبرق والرعد.. أقف بجانب النافذة وأنا أشاهد العاصفة، مدركة تماما لوجود جيش غير مرئي في حالة حرب، انحنت أشجار النخيل ، لقد أصابني الخوف، استمرت العاصفة وتواصلت، وبحلول النهار انضمت الرمال إلى المعركة، أفقدتني العاصفة الرملية الرؤية، اختفت السماء ولم يكن لها أي وجود.
وتتابع الرسالة «لم أرغب في مغادرة فراشي، ولم أرد التوجه للعمل، رغبت في مشاهدة الأخبار ومتابعة كل تفاصيل الحرب، لكن جرى استدعائي لحالة طارئة، فخرجت في الغبار والرياح الرملية أشق طريقي نحو المستشفى، إذ كان هناك طفل في طريقه للولادة وحياته في حاجة إلى إنقاذ، «كانت الأم تتألم، وكان الأب في قلق شديد، فحياة الطفل نفيسة، بعناية من الله ولد الطفل واستقر في يدي أمه الحانية، وتواصل كاتبة الرسالة قائلة «غريبة هي الحياة ومليئة بالمتناقضات، فعبر الحدود مباشرة، يموت الناس، يقتلون ويسفحون لغير ما ذنب سوى إنهم يعيشون حياتهم، إن الطلقات والقنابل والصواريخ لا تستطيع التمييز بين المدنيين والمحاربين، لكن هنا، فالحياة تعود لطبيعتها تقريبا رغم التوتر، الآن عاد الأطفال مرة أخرى إلى الطرقات، وفتحت الأسواق التجارية وعاد الناس إلى أعمالهم، الطعام متوفر، والأفران ممتلئة بالخبز والفطائر والكعك».
والى هنا تنتهي الرسالة التي جاءتني من الكويت، حين أرى طفلا عراقيا ناحلا وهزيلا ، وقد تشظت ذراعه اليسرى وبقرت بطنه وتدلت أمعاؤه للخارج، ويبقى رغم يقظته الكاملة غير قادر على الحركة أو إراقة دمعة واحدة، فإنني أسأل نفسي: لأي ذنب حكم على هذا الطفل بأن يدفع حياته النفيسة ثمنا»؟.
« نيو ستريتس تايمز» - ماليزيا
|