Thursday 3rd april,2003 11144العدد الخميس 1 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

نوافذ نوافذ
ما علمتم وذقتم
أميمة الخميس

هل هي مفارقة متعمدة تلك التي تنقلك بين البيان الختامي لمؤتمر وزراء الخارجية العرب، وبين المؤتمر الصحفي الذي يعقده الجنرال تومي فرانكس «قائد قوات التحالف»؟
بعد البيان الختامي لوزراء الخارجية تجد أنك قد استحممت بطوفان اللغة الذي يدلق فوقك مئات التعابير والإنشاء والكلمات المكتنزة بالعاطفة صخب، حتى تحس بأعماقك ضوضاء الكلمات ورنين الجمل.. والخواء..
وحينما تنتقل إلى مؤتمر فرانك تواجهك لغة الأرقام العلمية الباردة المجردة من العاطفة، والتي تتسلل إلى عقلك بحياد الأرقام وعلميتها، بقدر شديد الاختصار من الجمل.
نحن أمة البيان والبديع والزخرف اللفظي الذي يغادر الكتب وينتقل إلى تكويننا وبنياننا النفسي، نستبدل الواقع المؤلم بخيمة اللغة الوهمية، خيمة نحيكها كملاذ الجندي الأخير نتكدس بداخلها.. قلعتنا الأخيرة في زمن العولمة.
والغريب في الأمر أن البيان الختام الذي أقره وزراء الخارجية يرفع شكوى تطالب بانعقاد سريع لمجلس الأمن لبحث العدوان ضد العراق، ويتجاوز أمرين مهمين.
- إن الحرب قد قامت والعدوان ابتدأ وما من سبيل لوقفها.
- والأمر الآخر أن منظمة الأمم المتحدة في طريقها للتحول الى منظمة انسانية مفتقدة بهذا البعد السياسي في مهامها وغطاء الشرعية الدولية، بدليل ان الحرب القائمة في العراق تمت دون موافقتها.
ولعل اجتماع وزراء الخارجية العرب هو بعض الرماد الذي ينثر فوق «آوار» الشارع العربي المتأجج الغاضب، كما هي العادة.
لم تتوقف اللجاجة بين علماء الكوفة والبصرة، ولم يصلوا بعد هل «حتى» حرف جر يفيد انتهاء الغاية، ورحل شيخ اللغويين سيبويه وفي نفسه شيء من حتى، وترك لنا هذا الارث المهول من المفردات والجمل والكلمات التي تصطف أمام وعينا مكونة حاجزاً عميقاً يؤخر وصول الصباح.
اللغة في عالمنا هي سلطان الواقع هي التي تتحكم به بشكل مسقط على ظروفه وخصائصه ومنفصل بالتالي عن واقعه، اللغة عصا متسلطة تجير الواقع بشكل أوهام ومردة من دخان.
واقعنا العربي أسير اللغة أسير ارض الكلام، وحده حينما ينتصر الواقع على اللغة ويعيدها الى حجمها الطبيعي خادمة للواقع ومعبرة عنه، حينما فقط ستعتق الذات العربية من اصفادها، ويأذن بدخول نهار جديد.. ولربما مختلف.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved