ما رأيك فيما لو قلت لك ان أقرب شيء اليك هو أخطر ما يكون عليك..؟! وكيف يكون ذلك؟
اما الاجابة فليتك أولا تقرّب الجريدة إلى عينيك لترى بعد فراغك من القراءة كيف تلونت بالحمرة عيناك..؟! بل دعني اسألك كم «كيلو» يبعد لسانك عنك؟.. انه بالطبع يبعد عنك مسافة «صفر» من الكيلات وهذا القرب هو السبب في أن «بلاويك» مناطة بمنطوق لسانك بل ان هذا القرب ايضا هو السر في استعداد لسانك لأن يبادلك الخيانة بالخيانة وفق تأكيدهم لذلك تمثلا بالقول:«لسانك حصانك.. ان خنته خانك»، ومثل لسانك بالقرب منك معدتك ومثله هي كذلك بالاضرار بك خصوصا حين تكون المعدة«متروسة عالآخر!» حيث تصبح بيت الداء العامر بكل ما فيه خراب بيت صحتك ولهذا قال من قال تحذيرا:
فإن الداء أكثر ما تراه
يكون من الطعام ومن الشراب
أما الآن فاسمح لي أن أتحداك أن تنكر حقيقة أن أقرب قريب لك هم أقاربك، ومع ذلك اتحداك مرة اخرى ان تنفي امكانية تحولهم إلى عقارب لاسعة على غرار من جرّب لسعة شوكة القرابة فقال:
آخِ الرجال من الأباعد
والأقارب لاتقارب
إن الأقارب كالعقارب
بل أضر من العقارب
والأصدقاء كما تعلم يحتلون من قوائم القرب منك الترتيب الثاني بعد اقاربك ومرة اثر مرة يكشّر القرب عن انيابه فيطلق الشاعر أعنة مشاعره قائلا:
احذر عدوك مرة
واحذر صديقك ألف مرة
فلربما انقلب الصديق
وصار أدرى بالمضرة
ويكفي «القرب» الانساني خطراً على الانسان حقيقة أن اقتراب الانسان مما يريد قد يكون السبب الرئيس وراء فقده له وبعده عنه؟.. ولو كان الأمر خلاف ذلك لما تمثلت العرب- الاجتماعيين بطبعهم- تحذيرا من القرب كما في قولهم:«زر غبا تزدد حباً..، و«مروا ذوي الأرحام ان يتزاوروا ولا يتجاوروا»، بل لولا مثل هذه النهاية المنظورة لما تساءل الشاعر تقريريا في عجز بيته القائل:«.. وكم بعد ومولده اقتراب؟»، ولو تمعنا بفقه ما محوره القرب من العبارات اللغوية لوجدنا من الأمثلة ما يؤكد خطره، فقرب حبل وتين الانسان اليه لا يفيده بشيء بدليل ان الموت- البعيد عن ناظريه- اقرب من وتينه الأقرب في الحقيقة اليه.
ومما يبدو فقدر الانسان ان يكون حمامه في جوف الحميم القريب اليه كما في قولهم: أحاطوا به.. أو أحيط به كناية عن قرب اجله.. ومثل قولهم ايضا امسك بتلابيبه.. اقتربت النهاية.. أزف الموعد الموعود.. دنت منيته.. قرب اجله.. قاب قوسين او ادنى من الخطر.. أحدق به الشر.. الخ. بل من منكم يتذكر مدرسه بالمراحل الدراسية المبكرة من عمره الذي ما ان يثير فضولك بطلبه منك أن تقرب اليه الا «ويلقط!» اذنك فيفركها حتى تغادرها حاسة السمع ويحتلها الطنين.
ختاما هناك على الرغم من السخرية مضامين مجملها أولا: ان الحياة مواقع قريبة بالدم.. بالتاريخ.. بالجغرافيا غير انها نائية مشاعريا/ نفسياً فاختر موقعك النفسي قبل مواقعك الأخرى.
ثانيا:ان الحياة هشة ومع ذلك شرسة، كاسرة وعلى الرغم من قابليتها للكسر فهي قمينة بتخليق الانكسار..
وثالثا: ان كل قريب- مهما اقترب- هو الى البعد اقرب، الا القرب إليك يا أقرب قريب مجيب.. فاللهم اني أعوذ بك من كل قرب مآله البعد.. نتاجه التنائي.. قطافه الألم..
|