بقلم: باتريك بيوكانان
نال الجناح المؤيد للحرب ما كان ينشده، الا انه حصل على شيء لم يساوم اصلا للحصول عليه، فقد انكشفت قوائم عضويته وشركائه كما برز التحدي لدوافعه، فلقد قام تيم روسيرت، الصحافي الامريكي بطرح السؤال التالي مباشرة على ريتشارد بيرل: «هل بامكانك التأكيد للمشاهدين الامريكيين بأننا حاليا ضد صدام حسين وان الاطاحة به تخدم المصالح الامنية الامريكية؟ وما ستكون علاقة ذلك باسرائيل؟».
لقد برزت العلاقة الاسرائيلية على السطح فجأة وذلك لم يعجب الجناح الداعي للحرب واصدقاءنا المحافظين الجدد الذين وجدوا انفسهم في مواجهة مصادمة فكرية حادة او بتعبير آخر حريقاً فكرياً غير متوقع، يتصرفون بشكل انفعالي، يتهربون من الصراع السياسي، بأسلوب صبياني غير ناضج بادعاء انهم بوضعية اقلية مضطهدة، وسيعتقد الواحد منا ان الذين يزعمون انهم يرسمون السياسة الخارجية للدولة العظمى هم في الواقع رجال بحق على الساحة السياسية، لكنهم في حقيقة الامر وعلى ارض الواقع ليسوا كذلك.
كان ماكس بوت، المحرر السابق في صحيفة وول ستريت اول من بدأ الحملة عندما طرح انصار بوكانان عبارة «المحافظين الجدد» وأوردوا اسماء مثل وولفووبتز وكوهين - وبدى الامر احيانا كما لو انهم يعنون بذلك «المحافظين اليهود»، لكن ماكس بوت يسلم بأن العلاقة الحميمة مع اسرائيل هي معتقد رئيسي لدى المحافظين الجدد. وهو يدعى ايضا ان الاستراتيجية الامنية القومية للرئيس بوش «تبدو وكأنها ظهرت من صفحات مجلة «كومنتاري» وهذه الاخيرة هي الكتاب المقدس للمحافظين الجدد «للايضاح، مجلة كومنتاري هي الكتاب المقدس الذي ينشد منها الهدي الالهي، هي المجلة الشهرية التي تصدرها لجنة اليهود الامريكيين».
اما ديفيد بروكس في مجلة «ويكلي ستاندارد» الاسبوعية، فيشكو من ان عزو سبب الهجمات الامريكية الى العلاقة باسرائيل، قد اخله في جحيم، فيقول:« اتلقى الآن سيلا لا يتوقف من المقالات المعادية للسامية عبر بريدي الالكتروني، والبريد الصوتي، والبريد العادي».
ان العداء للسامية موجود ويتنامى، والفرق هو ان مركز تأثيره لم يعد مقصورا على انصار بوكانان اليمينيين، بل تعداه الى اليسار المؤيد للسلام».
اما روبرت كاجان، صاحب الزاوية في الواشنطن بوست فيتسير الى مكابدته للعذاب في الخارج فيقول:« في لندن يجد الواحد افضل مفكري بريطانيا يقترحون بلغة معقدة، وبلكنة لندنية، قائلين ان نظريات التآمر الخاصة ببات بيوكانان، والمتعلقة بقيام المحافظين الجدد «والمقصود: اليهود» ماهي الا تبن واختطاف للسياسة الخارجية الامريكية».
في حين ان لورانس كابلان من صحيفة «نيو ريبابليك» «الجمهورية الجديدة» يتهم مجلتنا الصغيرة بأنها «تحولت الى منتدى للذين يؤمنون ويؤكدون ان الرئيس بوش اضحى عميلا لارييل شارون ولمعسكر الحرب الخاص بالمحافظين الجدد».
ونستشهد بالكاتب تشارز لندبيرغ الذي يتهم كلاً من بول شرويدار وكريس ماثيوز وروبرت نوفاك وجورجي ان جايار، وجيسون فست، من صحيفة نيشين «الامة» وكذلك جاري هارت بأنهم يلمحون الى ان اعضاء من فريق الرئيس بوش كانوا يزاودون لصالح اسرائيل. وبكلمات اكثر وضوحا، كانوا يبدون ازدواجية في الولاء». وينفجر كابلان قائلا:
ان المشكلة الحقيقية في ادعاءات كهذه لا تكمن فقط في انها عارية عن الصحة بل في كونها ادعاءات مسمومة. يحث ان التطرق لموضوع ازدواجية الولاء لاسكان النقد والنقاش يتجاوز بكثير التسبب اليومي في تشويش وتلويث الاحاديث العامة الى ان يصبح احباطا للاحاديث العامة، اذ انه كيف سيتمكن الفرد من دحض اتهامات قائمة على اساس عرقي؟ فهذه التهم في حد ذاتها مستحيل اثبات عدم صحتها، وهذا هو الهدف المنشود من هذه الادعاءات.
ما الذي يحدث هنا؟ هذا ما ركز عليه ميكي كوس في مقاله تحت عنوان «لورانيس كابلان يلعب بورقة العداء للسامية».
ان ما يفعله كابلان وبروكس وبوت وكاجان هو بالضبط ما فعله القس جيسي جاكسون عندما انكشفت مسألة حصوله على تبرعات ضخمة من 500 شركة كان قد اتهمها مؤخرا بالتمييز العنصري. فقد لعب بورقة العرق. وبالمثل، فان المحافظين الجدد يحاولون اتقاء شر النقاد عن طريق تشويه صورة النقاد والطعن بدوافعهم.
وفي الحقيقة فان تهمة «معاداة السامية» هي السم في حد ذاتها، لان هذا القذف المهيب مصمم لاسكات الحديث الجماهيري عن طريق تشويه السمعة وارهاب الخصوم ومراقبتهم وابتزازهم ووضعهم ومن ثم نشر مؤلفاتهم في قوائم سوداء.
ويدعي المحافظون الجدد اننا نهاجمهم لانهم يهود. وهذا ليس صحيحا. اننا نهاجمهم لان تغطيتهم للحرب تهدد سلامة بلادنا حتى ولو وجد هذا تجاوبا واستحسانا لدى اريل شارون.
وهذه المرة نادى الرجال «وولف» اكثر مما ينبغي. لكن ذلك غير مجدٍ، وطبقا لما اورده كوس، فان صحيفة كابلان «نيو ريبابليك» تدعم الاستاذ في جامعة هارفارد، ستانلي هوفمان، وفي معرض الكتابة عن مراكز ا لقوة الاربعة في هذه العاصمة، الذين يقرعون طبول الحرب، يصف هوفمان المركز الرابع بقوله:
واخيرا هنالك مجموعة متفرقة لاصدقاء اسرائيل ممن يؤمنون بوحدة المصالح فيما بين الدولة اليهودية والولايات المتحدة. ينظر هؤلاء المحللون الى السياسسة الخارجية من خلال هوس وحيد يقلقهم: هل يعود هذا بالنفع او الضرر على اسرائيل؟ ومنذ تأسيس ذلك الكيان عام 1948، لم يكن لهؤلاء المفكرين سمعة طيبة في وزارة الخارجية والان يتخفون في وزارة الدفاع حول اصحاب استراتيجيات امثال بول وولفويتز وريتشارد بيرل ودوجلاس فيث.
ان كان ستانلي هوفمان قادرا ان يقول ذلك يسأل كوس، فلم لا يقدر كريس ماثيوز ان يفعل؟ يشير كوس ايضا الى آن كابلان اخفق في ان يذكر النقطة الاكثر تدميرا التي تربط المحافظين الجدد بشارون وبحزب الليكود.
في التاسع من فبراير ظهر على الصفحة الاولى من جريدة الواشنطن بوست مقال اورد فيه روبرت كاينسار، نقلا عن احد كبار المسؤولين الامريكيين قوله: أصبح الليكوديون هم من يمتلك زمام الامور الآن. وقد أورد كيسار أسماء مثل بيرل وولفويتنز وفيت بوصفهم اعضاء في الشبكة المؤيدة لاسرائيل داخل الادارة الامريكية فضلا عن ديفيد وازمزاز من وزارة الدفاع، وايليوت ابرامز من مجلس الامن القومي «ابرامز هو زوج ابنة نورمان بودهورتز المحرر الفخري لمجلة الكومنتآري، والذي ظلت مجلته طوال عقود تصم منتقدي اسرائيل بكونهم معادين للسامية».
وبملاحظة ان شارون يشير باستمرار الى علاقته الخاصة المتميزة مع حزب بوش، ويقول كايسار لاول مرة، نرى تطابقا شبه تام في السياسات بين الادارة الامريكية وحكومة الليكود، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف امكن حدوث هذا؟ وفي حين ان ذلك يصب في مصلحة شارون، فهل يصب في مصلحة الولايات المتحدة ايضا؟
هذه لحظة الحقيقة، لان امريكا على وشك اتخاذ قرار خطير جدا: هل ستشن سلسلة من الحروب في الشرق الاوسط والتي قد تشعل صدام الحضارات. الذي حذر منه صاموئيل هوتنجتون، الاستاذ في جامعة هارفارد، حرب نعتقد انها ستكون مأساة وكارثة على هذه الجمهورية، ولتفادي هذه الحرب، وللرد على مزاعم المحافظين الجدد، نطلب من قرائنا دراسة جدول اعمال هؤلاء والتي نوردها بحرفيتها. ان اشعة الشمس هي افضل مطهر، وكما اعتاد آل سميث ان يقول:« لاشيء غير امريكي يستطيع ان يعيش في ضوء الشمس».
اننا نوجه الاتهام قائلين ان عصبة من المنظرين والمسؤولين الرسميين يسعون إلى توريط بلادنا في سلسلة من الحروب التي ليست في مصلحة امريكا. اننا نتهمهم بالتواطؤ مع اسرائيل لاشعال هذه الحروب والغاء اتفاقيات أوسلو. نتهمهم بالتقويض المتعمد للعلاقات الامريكية مع كل دولة من دول العالم العربي التي تتحدى اسرائيل او تناصر حقوق الشعب الفلسطيني في وطن خاص بهم. نتهمهم بأنهم نفروا الاصدقاء والحلفاء في انحاء العالم الاسلامي والغربي من خلال غطرستهم وتعطشهم للحروب.
لم يحدث في تاريخنا ان تم عزل امريكا عن اصدقائها القدامى، والاسوأ من هذا ان الرئيس بوش يتم استدراجه الى فخ بواسطة طعم وضعه له هؤلاء المحافظون الجدد، الامر الذي قد يكلفه خسارة منصبه وكذلك يفقد امريكا سنوات من السلام الذي حققته لنا عن طريق التضحية بجيلين في الحرب الباردة.
انهم يتهموننا بمعاداة السامية - اي كراهية اليهود بسبب معتقداتهم او تراثهم او سلالتهم. هذا غير صحيح، والحقيقة ان هؤلاء المندفعين في كل هذه الاتهامات يحتضنون علاقة حميمة بأمة غير امتنا وتتسبب هذه في التنكر لمصالح بلادهم وفي التصرف بناء على فرضية مؤداها ان ما هو خير لاسرائيل فهو خير لامريكا.
من هم المحافظون الجدد؟ كانوا الجيل الاول من الليبراليين السابقين والاشتراكيين والتروتسكيين ومن الذين تم احضارهم بالقوارب عند ثورة ماكجوفيرن والذين تبوؤوا مناصب في السلطة عقب وصول دونالد ريجان للحكم عام 1980.
وطبقا لما كتبه كيفين فيليبس فان المحافظ الجديد كان سابقا اقرب ما يكون الى محرر في مجلة منه الى عامل رصف الطوب. اما اليوم فالمحافظ «او المحافظة» الجديد هو الاقرب الى كونه استاذاً مقيماً في معهد سياسة عامة مثل المعهد الامريكي للمشاريع، او المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي، وطبقا لاحد الكتاب، فالمحافظ الجديد هو على دراية وعلم اكثر بأعمال فريق «ثنك تانك» وهم الاشخاص المعنيون في البيت الابيض برسم سياسة الحكومة الامريكية من معرفته «بابربامز تانك» وهي نوع من الدبابات المنتجة بأمريكا.
وعلى وجه التقريب، لم يظهر اي منهم من عالم التجارة او العسكرية، والقلة منهم اتوا من حملة غولدووتر، وقدوتهم من الابطال هم وودرو نلسون، وفرانكلين روزفلت، وهاري ترومان، ومارتن لوثر كنج، ومن النواب الديموقراطيين هنري جاكسون، وبات مونيهيان. جميعهم مولعون بالتدخل في شؤون الآخرين والذين يعتبرون مساندة اسرائيل خاصية مشتركة لنوعيتهم، ومن مشاهير هؤلاء جين كيركباتريك، بيل بينيت، مايكل نوفاك وجيمس ويلسون.
أما منشوراتهم فتشمل الويكلي ستاندارد، والكومنتاري، ونيو ريبابليك، والناشونال ريفيو، والمقال الافتتاحي في صحيفة وول ستريت جورنال، ورغم قلة عددهم، فإنهم سيطروا على قوى غير متكافئة عبر السيطرة على المؤسسات والمجلات المحافظة وعبر اعمدتهم المكتوبة لدى النقابات الصحفية وعبر التواصل مع اصحاب المناصب.
قرع طبول الحرب
مع انتهاء الحرب الباردة، بدأ المحافظون الجدد في وضع الخطط لحملة صليبية جديدة لاعطاء معنى لحياتهم، وفي 11 سبتمبر وجدوا ضالتهم، لقد امسكوا بهذا الحدث الفظيع المخيف لتوجيه غضب الامريكيين نحو حرب شاملة لتدمير اعدائهم، الدول العربية والاسلامية الحمراء التي قاومت سيطرة الولايات المتحدة وتشمئز من اسرائيل.
كانت مخططات جناحهم الحربي جاهزة قبل حدوث اعتداءات 11 سبتمبر بوقت طويل.
وعندما بحث الرئيس بوش عن جبهة جديدة في الحرب ضد الارهاب عقب هزيمة طالبان، قام هؤلاء بوضع الطبخة الجاهزة امامه فاندفع اليها.
وقبل تقديم كتاب سيناريو حروب امريكا المستقبلية، آمل منكم امعان النظر في ردود الفعل السريعة للمحافظين الجدد تجاه ما حصل عقب ذلك اليوم المشؤوم.
ففي 12/9، وبينما كان اغلب الامريكيين لايزالون تحت تأثير الصدمة نادى بيل بينيت عبر محطة سي.ان.ان بأننا في صدام بين الخير والشر، وانه يتوجب على الكونجرس اعلان الحرب على الاسلام الذي يحاربنا، وانه يتوجب استخدام قوة هائلة. وقد اورد بينيت اسماء دول مثل لبنان وليبيا وسوريا والعراق وايران والصين كدول مستهدفة للهجوم، لكنه لم يذكر افغانستان ملجأ ارهابيي اسامة بن لادن. كيف عرف بينيت أي دول يجب تدميرها قبل ان يعرف هوية من قام بالهجوم علينا؟
لقد قامت صحيفة وول ستريت بتقديم قائمة اهداف محددة مطالبة الولايات المتحدة بتنفيذ غارات جوية «على معسكرات الارهاب في سوريا والسودان وليبيا والجزائر وربما على اجزاء من مصر». الا ان أياً من الدول الست التي ذكرها بينيت ولا حتى الدول الخمس التي ذكرت كان لها علاقة بأحداث 11 سبتمبر.
وفي 15/9، طبقا لبوب ووداورد في مقاله المعنون «حرب بوش» قام بول وولفووبتز. بتقديم نقاش عسكري لتبرير هجوم امريكي على العراق عوضاً عن افغانستان.
وعندما سئل وولفويتز، ولماذا العراق، اجاب في مجلس الحرب المصغر قائلا بأنه «بينما قد تكون مهاجمة افغانستان غير مضمونة، فان العراق، كان يمثل نظاما استبداديا هشا من السهل تدميره، وهذا ممكن عمله».
وفي العشرين من سبتمبر، قام اربعون من المحافظين الجدد بارسال خطاب مفتوح للبيت الابيض يوجهون فيه الرئيس بوش الى كيفية تنظيم الحرب على الارهاب، وقد وقع ذلك الخطاب بينيت، بودهورتز، كيركباتريك، بيرل، كريستول، اضافة إلى محرر الواشنطن بوست تشارلز كروتامير، وكان ذلك الخطاب بمثابة انذار، قيل للرئيس انه لكي يحتفظ بمساندة موقعي الخطاب عليه استهداف حزب الله لتدميره والهجوم على سوريا وايران ان رفضتا تضييق الخناق على حزب الله والاطاحة بصدام، ان عدم الهجوم على العراق طبقا لتحذيرهم لبوش «سيشكل استسلاما مبكراً امام الحرب على الارهاب الدولي».
وهنا لدينا عصبة من المفكرين الذين قالوا للقائد الاعلى بعد تسعة ايام من الهجوم على امريكا بأنه اذا لم يتبع خططهم الحربية فسوف يتهم بالاستسلام للارهاب. لكن حزب الله لم تكن له علاقة بأحداث التاسع من سبتمبر، ما الذي ارتكبه حزب الله؟ لقد اذل اسرائيل باخراج جيشها من لبنان.
لقد تم تحذير بوش بأن عليه استغلال احداث 9/11 لشن سلسلة من الهجمات على انظمة عربية لم يهاجمنا احد منها، الا انها جميعها كانت عدوة لاسرائيل، وكان ناتانياهو رئيس وزراء اسرائيل الاسبق دائم الظهور على التلفزيون الامريكي داعيا ايانا لابادة امبراطورية الشر التي اتضح انها تشمل حماس، وحزب الله والعراق وايران والمناطق الفلسطينية.
وربما تكون بعض هذه الانظمة او المجموعات كريهة، لكن ماالذي ارتكبوه بحق الولايات المتحدة؟
كان الجناح المؤيد للحزب مستميتا لشن حرب في الشرق الاوسط قبل ان تعيد امريكا حساباتها، قام توم دونللي من مؤسسة مشروع القرن الامريكي الجديد «PNAC» بالدعوة الى الغزو الفوري للعراق. فقد كتب قائلا «لا حاجة لان يتأخر الهجوم حتى يتم نشر نصف مليون جندي، قان التحدي الاكبر سيكون احتلال العراق بعد انتهاء الحرب».
ردد جوناه غولدبيرغ مقولة دونللي في الناشونال ريفيو، فقال:« تحتاج الولايات المتحدة الى ان تحارب العراق لانها بحاجة إلى جهة ما تحاربها في المنطقة. والعراق هو الخيار الامثل».
قام غولدبيرغ بتحويل مبدأ ليدين، الموظف السابق في وزارة الدفاع الامريكية، والذي حدده غولدبيرغ كما يلي: كل عشر سنوات، اونحوها، تحتاج الولايات المتحدة الى الامساك ببلد ما صغير ومتداع وقذفه ازاء الحائط، فقط لكي نظهر للعالم اننا نعي ونفعل ما نقول «وعندما قام السفير الفرنسي في لندن خلال حفل عشاء بالسؤال لماذا يتوجب علينا ان نجازف باشعال حرب عالمية ثالثة من اجل بلد صغير قذر - ويقصد به اسرائيل - لم تكن مجلة غولدنبزغ مسرورة بهذا السؤال».
وكان ليدين اقل طيشا، ففي الحرب على صانعي الارهاب، قام بتحديد الانظمة التي يتوجب على امريكا تدميرها بالضبط:
«في البداية وفي المقام الاول، علينا تقويض الانظمة الارهابية، بدءا بالثلاث الكبار وهي ايران والعراق وسوريا، وبعد ذلك نتوجه الى السعودية، وحالما يتم الانتهاء من تدمير الطغاة في الدول المشار اليها سنظل مشغولين. علينا التأكد من قيام ثورة ديموقراطية، الاستقرار هو رسالة امريكية تافهة ومفهوم مضلل علاوة على ذلك. نحن لا نسعى لاحلال الاستقرار في ايران وفي العراق وسوريا ولبنان وحتى في السعودية. اننا نريد ان نغير الامور.
القضية الفعلية هي ليست ما اذا، وانما كيف ستتم عملية زعزعة الاستقرار».
ان رفض الاستقرار بوصفه «مهمة امريكية تافهة» حسب ليدين، الذي يمضي في تعريف المهمة التاريخية لامريكا قائلا:
التدمير الخلاق هو الاسم الاوسط لنا، سواء في مجتمعنا ام في الخارج، نحن نمزق النظام القديم كل يوم، من انظمة العلوم والتجارة، والادب، والفن فالسينما والسياسة والقانون. لقد كان اعداؤنا يكرهون دوما هذا التحول في الطاقة والابداع. والذي يقلق ويزعج تقاليدهم «مهما كانوا» ويعيب عليهم عجزهم على المواظبة على التقدم. ولذا علينا تدميرهم لضمان تقدم مهمتنا التاريخية».
ان كتابات كهذه تدين الى ليون تروتسكي اكثر مما تدين لروبرث تافت بالفضل، وهي تنم عن اسلوب جاكوبين في حركة المحافظين الجدد لدرجة انه لا يمكن لها ان تتماشى مع اي مفهوم للمحافظة الحقيقية.
وبالنسبة إلى مجلة الويكلي ستانداراد، كانت قائمة الاعداء الخاصة بليدين محدودة جدا علينا ألا نعلن الحرب علي شبكات الارهاب والدول التي تأويها فحسب، بل علينا ان نشن الحروب على أي مجموعة او دولة تميل لمساندتها او مؤازرتها مستقبلا، وذلك طبقا لصحيفة الستاندارد.
كان روبرت كاجان وويليام كريستول يدوران بانفعال شديد لتوقعهما حدوث معركة الهرماجدون «نهاية العالم»، ان الحرب القادمة ستتسع لتشمل عددا من الدول، سوف تشبه صراع الحضارات التي يأمل الكثير في تجنبها، من المحتمل ان زوال بعض الانظمة العربية المعتدلة قد يحصل بشكل غير مقصود».
لقد برز بنورمان بودهورتز في مقاله في الكومنتاري على كريستول في الستاندارد، وذلك عندما كتب بحماسة مفرطة قائلا: علينا اعتناق حرب الحضارات لان مهمة جورج بوش هي خوض الحرب العالمية الرابعة - الحرب ضد الاسلام الاصولي. وطبقا لحساباته فان الانظمة التي تستحق الاطاحة بها لا تقتصر على التي صنفت في محور الشر «ايران - العراق - كوريا» بل يجب ان تشمل على الاقل دولا مثل سورية ولبنان وليبيا، ودولا صديقة لامريكا مثل العائلة المالكة السعودية، وحسني مبارك في مصر اضافة للسلطة الفلسطينية.وعلى بوش ان يرفض المشورة الجبانة المقدمة من جانب كولين باول، طبقا لبودهرتز، والعثور على موطئ لغرض ثقافة جديدة على العالم الاسلامي المهزوم. وبما ان الحرب ضد القاعدة تطلبت منا تدمير طالبان، علينا ان نقوم بما يلي وفقا لبودهرتز:
قد نجد انفسنا شئنا ام ابينا مرغمين على الاطاحة بخمس او ست او سبع من الطغاة في العالم الاسلامي «بما في ذلك راعي الارهاب السلطة الوطنية الفلسطينية لياسر عرفات» استطيع ان اتخيل ان الهيجان العظيم لهذه الحرب سيؤدي الى انواع جديدة من مهمة امبريالية لامريكا، سيكون هدفها الاشراف على ظهور حكومات جديدة في المنطقة مسؤولة عن الاصلاح والتحديث عوضا عن تلك القائمة حاليا، استطيع ان اتخيل ايضا تأسيس نوع من الحماية على آبار النفط في السعودية حيث اننا نتساءل اكثر فأكثر عن سبب السماح ل 7000 امير بالاستمرار في فرض الكثير من النفوذ علينا وعلى سوانا.
يقر بودهرتز بالفضل لاليوت كوهين فيما يتعلق بمصطلح «الحرب العالمية الرابعة»، وقد شوهد بوش بعد ذلك بوقت قصير يحمل نسخة مهداة من كتاب كوهين، الذي يمجد السيطرة المدنية على العسكرية في اوقات الحرب، والتي تمثلت لدى قادة مثل ولستون تشرشل وديفيد بن غوريون.
وتشمل قائمة الانظمة الشرق اوسطية المستهدفة للتغيير، وطبقا لبودهيرتز، وبينت وليدمين وناتانياهو، ولصحيفة وول ستريت دولا مثل الجزائر وليبيا ومصر والسودان ولبنان وسوريا والعراق والسعودية وايران، وكذلك حزب الله وحماس والسلطة الفلسطينية والاسلام الاصولي.
من المستفيد من ذلك؟ لمصلحة من تشن حروب لا نهاية لها في منطقة لا يوجد فيها شيء حيوي لامريكا عدا النفط الذي يتوجب على العرب بيعه لنا لكي يعيشوا؟ من سيستفيد من حرب الحضارات بين الغرب والاسلام؟
الجواب: امة واحدة، زعيم واحد، حزب واحد: اسرائيل، ارييل شارون، الليكود
في الحقيقة كان لشارون في كل مكان صدى لمعاونيه في امريكا، ففي فبراير 2003، اخبر شارون بعثة من الكونجرس، انه بعد تدمير نظام صدام، من الاهمية الحيوية للولايات المتحدة ان تنزع اسلحة ايران وسوريا وليبيا.
لدينا اهتمام عظيم بتشكيل الشرق الاوسط بعد انتهاء الحرب على العراق، طبقا لكلام شارون موفاز وزير الدفاع الاسرائيلي في حديث امام مؤتمر المنظمات الامريكية اليهودية الرئيسة، بعد دخول القوات الامريكية الى بغداد، عليها ممارسة ضغط سياسي واقتصادي ودبلوماسي على طهران طبقا لما ردده موفاز على مسامع اليهود الامريكيين.
هل يخشى المحافظون الجدد من ان الحرب على العراق قد تسقط حكومات غربية صديقة؟ كلا فهذا غير مهم، هم سوف يرحبون بهذا السقوط، فمبارك ليس شخصية بارعة جدا. طبقا لما يراه ريتشارد بيرل في الرئيس المصري. ونحن بالتأكيد نستطيع ان نقوم بما يلزم افضل منه. وعندما سئل عن امكانية ان تؤدي الحرب على العراق - التي توقع ان تكون نزهة - الى تقويض حكومات مثل حكومة مصر والسعودية. اجاب السفير السابق لدى الامم المتحدة كين اديلمان على سؤال جوشوا مارشال من مجلة واشنطن الشهرية: ان كنت تنشد الحقيقة، فهم يستحقون ذلك.
في 10 يوليو 2002، دعا بيرل احد مساعدي ليندون لاروش السابقين، واسمه لورانت ميوراويك، للتحدث امام هيئة سياسة الدفاع وفي معرض كلام مقتضب، اصيب هنري كيسنجر بالذعر حينما وصف ميوراويك المملكة العربية السعودية بأنها «نواة الشر» والمحرك الرئيس واخطر خصوم الولايات المتحدة.
واضاف قائلا: على واشنطن ان تعطي الرياض انذارا مفاده انه عليكم ايها السعوديون اما محاكمة وإما عزل اولئك المتورطين في شبكة الارهاب، بما في ذلك الاستخبارات السعودية، وايقاف جميع اشكال الدعاية المعادية لاسرائيل، والا سنضطر إلى غزو بلادكم والسيطرة على حقول النفط واحتلال مكة.
وفي ختام محاضرته، استعرض ميوراويك استراتيجية شاملة للشرق الاوسط، مفادها ان «العراق هو المحور التكتيكي، وان السعودية هي المحور الاستراتيجي وان مصر هي المكافأة» والتقارير التي تسربت عن محاضرة ميوراويك هذه لم تنشر فيما اذا كان ايا من الحضور قد سأل عن كيفية الرد المحتمل من جانب العالم الاسلامي على القوات الامريكية التي ستطأ ارض المسجد الحرام.
ان الذي يسعى اليه هؤلاء المحافظون الجدد هو تجنيد الدم الامريكي لكي يصبح العالم آمنا لاسرائيل، يريدون السلام بالسيف المسلط على الاسلام، وان يموت الجنود الامريكيون اذا اقتضى الامر لغرض هذا السلام.
اطلق محرر واشنطن تايمز، ارنود دي بورشجريف، تسمية على هذا واصفا اياه بأنه مذهب بوش - شارون - وقد كتب قائلا ان ليكوديي واشنطن قد امسكوا بزمام الامور في السياسات الامريكية في الشرق الاوسط منذ تسلم بوش لمنصبه.
يسعى المحافظون الجدد الى انشاء امبراطورية امريكية كما يسعى حزب شارون الى السيطرة على الشرق الاوسط ويتوافق جدولا اعمال الاثنين كليا. فبينما يصر المحافظون الجدد ان احداث سبتمبر هي سبب الحرب على العراق والاصولية الاسلامية، فان اصول خططهم الحربية قد وضعت قبل ذلك التاريخ بوقت طويل.
تأمين العالم
ان المخطط الرئيسي هو ريتشارد بيرل، وقد كان احد مساعدي السيناتور سكوب جاكسون، بيرل الذي سمع صوته صدفة وهو يقول في عام 1970م على احد اشرطة التسجيل الفدرالية اثناء مناقشته مع السفارة الاسرائيلية حول معلومات سرية مصدرها مجلس الامن القومي، وفي كتابه الصادر عام 1974، كتب ستيفن اسحق تحت عنوان «اليهود والسياسات الامريكية» قائلا: ان ريتشارد بيرل وموريس اميتاي يقودان ما يمكن تسميته مجازا: جيشا صغيرا من مناصري السامية في مبنى الكابيتول، يفعلون ويديرون القوة اليهودية طبقا لما يخدم المصالح اليهودية. وقد نشرت نيويورك تايمز تقريرا عام 1983م مفاده ان بيرل تلقى مبالغ كبيرة من احد مصنعي السلاح الاسرائيليين.
وفي عام 1996، قام بيرل بالاشتراك مع دودلاس، فيث وديفيد وورمراز بكتابة موضوع عنوانه «تغيير نظيف، استراتيجية جديدة لتأمين العالم» وجهه لرئيس الوزراء الاسرائيلي ناتانياهو. حث الكتاب الثلاثة ناتانياهو على الغاء اتفاقيات اوسلو الخاصة بالمغدور اسحق رابين. وتبنى استراتيجيات عدوانية جديدة.
يمكن لاسرائيل ان تشكل مجموعتها وبيئتها الاستراتيجية بالتعاون مع تركيا والاردن، بواسطة اضعاف واحتواء وحتى صد سوريا. يمكن لهذا الجهد ان يركز على الاطاحة بصدام حسين من العراق، وهو هدف استراتيجي اسرائيلي هام لخدمة مصالحها كوسيلة لاحباط الاهداف والتطلعات الاقليمية السورية ومؤخرا تحدى الاردن الطموحات السورية الاقليمية عندما اقترح استعادة الهاشميين للعرش في العراق».
وطبقاً لاستراتيجية بيرل- فيت- وورمزاز، تبقى سورية هي عدو اسرائيل ولكن الطريق الى دمشق يمر عبر بغداد، ان مخططاتهم هذه التي حثت اسرائيل على اعادة تأسيس «مبدأ حق الاستيلاء» قد تم فرضها الآن من قبل بيرل- فيت- وورمزاز وشركاهم على الولايات المتحدة.
وفي بحثه المنفرد الذي كتبه عام 1997 تحت عنوان «استراتيجية لاسرائيل: حث فيث اسرائيل على «اعادة احتلال المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية رغم ان عدد الضحايا سيكون ضخماً».
وبوصفه باحثاً مقيماً لدى معهد المشروعات الأمريكية، قام وورمزاز بوضع مسودة خطط حربية مشتركة لاسرائيل والولايات المتحدة تهدف إلى «الضرب في العمق للمراكز الراديكالية في الشرق الاوسط. على اسرائيل والولايات المتحدة أن توسعا الصراع من اجل الضرب بعمق وليس مجرد نزع السلاح من المراكز الراديكالية في المنطقة، وهي انظمة الحكم في دمشق وبغداد وطرابلس الغرب وطهران وغزة. ان هذا سيفضي الى الاقرار بأن محاربة الولايات المتحدة أو إسرائيل هو بمثابة انتحار».
وقد حث كلتا الامتين على البحث عن ازمة، حيث قال:«يمكن للازمات ان تشكل فرصة وقد نشر وورمزاز خطته الامريكية الاسرائيلية هذه في غرة يناير 2001 أي قبل تسعة اشهر من اعتداءات سبتمبر. كتب مايكل لند ما يلي حول عصبة بيرل- فيث- وورمزاز:
«ان اليمين الصهيوني الراديكالي الذي ينتمي إليه كل من بيرل وفيث هو صغير العدد لكنه أصبح قوة مهمة في دوائر صنع السياسات لدى الجمهوريين. انها ظاهرة جديدة يعود تاريخها إلى اواخر السبعينيات، والثمانينيات، عندما قام المفكرون الديموقراطيون السابقون بالانضمام الى تحالف ريجان الواسع، وبينما يتحدث الكثير من هؤلاء الصقور علناً عن غزوات صليبية عالمية من أجل تحقيق الديموقراطية، فإن القلق الرئيسي للعديد من هؤلاء المحافظين الجدد هو قوة وسمعة اسرائيل».
تحت المدخنة
يترأس بيرل اليوم هيئة السياسات الدفاعية، وفيث هو نائب وزير الدفاع، ووارمزاز هو المساعد الخاص لنائب وزير الخارجية لشؤون الاسلحة المدعو جون بولتون، الذي يعتبر الصدى الصادق لخط بيرل- شارون. وطبقا لما كتبته صحيفة «هآرتز» (الارض)، اليومية الاسرائيلية في اواخر فبراير فإن: نائب وزير الخارجية الامريكي جون بولتون، قال في معرض اجتماعاته مع المسؤولين الاسرائيليين انه لايوجد لديه شك بأن الولايات المتحدة ستهاجم العراق، وان هذا سيكون ضرورياً للتعامل مع التهديدات من جانب سورية وايران وكوريا الشمالية لاحقاً.
في 26 يناير 1998م تلقى الرئيس كلنتون رسالة تناشدة التصريح بأن الاطاحة بنظام صدام هي هدف في السياسة الخارجية الامريكية، وان يتخذ اجراء عسكرياً ضده بسبب اخفاق الجهود الديبلوماسية «واذا ما استجاب كلنتون فإن موقعي الرسالة سوف يعرضون كامل مساندتهم له في مساعيه الصعبة والضرورية هذه». وقع هذا الالتماس اليوت ابرامز، بيل بينيت، جون بولتون، روبرت كاجان، ويليام كريستول، وريتشارد بيرل وبول وولفوويتز. قبل اربع سنوات من احداث 11/9، كان المحافظون الجدد يستهدفون بغداد.
مذهب وولفوويتز
في عام 1992، تسربت وثيقة مخيفة من مكتب بول وولفوويتز في وزارة الدفاع، وقد اطلق عليها بارتون جيلمان من صحيفة الواشنطن بوست وصفا بأنها«مطبوعة سرية تهدف للمساعدة في توجيه الامة في القرن المقبل»، كانت مذكرة وولفوويتز تدعو إلى« تواجد عسكري امريكي في ست قارات من اجل اعاقة كافة» المنافسين المحتملين من ان يطمحوا إلى دور اقليمي أو عالمي أكبر وعلى الاحتواء والاستراتيجية المنتصرة في الحرب الباردة ان تفسح المجال لاستراتيجية جديدة طموحة مصممة لانشاء وحماية نظام جديد.
ورغم ان مذكرة وولفوويتز قد شجبت واهملت عام 1992، فقد اصبحت سياسة امريكية في كتيب استراتيجية الامن القومي ذي الصفحات الثلاث والثلاثين الذي اصدره الرئيس بوش في 22002/9/1 لقد وصفه تيم رياخ بأنه اراقة للماء في السياسة الامريكية الخارجية والتي لاتعكس المبادىء الاساسية التي وجهت الرؤساء السابقين لمدة تربو عن خمسين عاماً، «الاحتواء والاعاقة».
أما اندرو بيسفتش الاستاذ في جامعة بوسطن، فيكتب عن استراتيجية الامن القومي قائلا: انه مندهش من تكالبها لخنق مثالية الدولة بتنكر مجرد للآلية السياسية، وهذا يدل على أنها ليست فقط نتاج الجمهوريين المحافظين المتصفين بالوقار، بل انها ناجمة عن تعاون غير محتمل بين وودرو ويلسون واليوت فون مولتيك.
وفي معرض التصدي لأعداء امريكاء تعلق الصحيفة قائلة: لن نتردد في اتخاذ الاجراء اللازم بمفردنا اذا اقتضى الامر، لممارسة حقنا في الدفاع عن انفسنا عن طريق الاجراء الوقائي وهي تحذر اية أمة تسعى لامتلاك القوة لمنافسة الولايات المتحدة، ستكون دعوة لتورطها في حرب مع الولايات المتحدة.
«ليس لدى الرئيس اية نية في السماح لاية امة باللحاق بالقناة الضخمة التي فتحتها الولايات المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي منذ اكثر من عقد، ان قواتنا ستكون قوية بما يكفي لمنع الاعداء المحتملين من السعي لبناء قوة عسكرية أملاً في التفوق أو التساوي مع قوة الولايات المتحدة».
على أمريكا ان تعد نفسها لحقبة من «بناء الامة على نطاق واسع» وبدون وجود استراتيجية للخروج، طبقا لما يراه روبرت كاجان، لكن هذا السلام الامريكي الذي يتخيله المحافظون الجدد يقودنا إلى وقت اطلق عليه هاري المربارنز«الحرب الدائمة من أجل السلام الدائم».
ورقة ميونيخ
وكما تم تحذير الرئيس بوش في 22001/9/0 من أنه سوف يتهم بالاستسلام المؤكد في حربه على الارهاب، في حال عدم الهجوم على العراق، فإنه على علم بأن الضغط على اسرائيل أمر ممنوع، ففي حين لعب المحافظون الجدد ورقة معاداة السامية، فإنهم لن يتورعوا عن اللعب بورقة ميونيخ ايضاً، فمنذ سنة خلت، عندما دعا الرئيس بوش شارون للانسحاب من الضفة الغربية، رد عليه شارون بأنه لن يدع أحداً يفعل لاسرائيل ما فعله نيفل شامبرلين بالتشيكيين، وعلى الفور قام فرانك غافني، من مركز السياسات الامنية بمساندة شارون حين قال: مع كل يوم يمر، تبدو واشنطن وكأنها ترى تصرفات حليفها الرئيس في الشرق الأوسط، غير مقبولة بنفس الطريقة التي كانت لندن وباريس تريان مقاومة التشيكيين لعروض هتلر بالسلام مقابل ارض تشيكوسلوفاكيا.
وعندما صرح قائد حلف الناتو الامريكي الاسبق، الفريق جورج جولان، بأنه على الولايات المتحدة فرض السلام على اسرائيل والفلسطينيين، واجه هذا كذلك تهمة التملق، فقد كتب جافني قائلاً: انهم سوف يتجاوزون قيام فرنسا وبريطانيا بالتخلي عن حليف في ميونخ عام 1938، ويبدو أن مدرسة «افرض السلام» مستعدة لكي تجعلنا نلعب ايضا دور فيرماخت ايام هتلر، وذلك بأن نسلم إلى ياسر عرفات «سودنلاند المعاصرة» وهي الضفة الغربية وقطاع غزة وربما جزءا من القدس. يوافق بودهورتز على أن شارون كان مصيبا في جوهر ما قال، لكنه اردف انه من الناحية السياسية، لم يكن من الحكمة استخدام التشابه او المقارنة مع حالة ميونيخ.
ان الرئيس بوش على علم بأنه اذا ما حاول الضغط على اسرائيل لمقايضة الارض بالسلام، وهي معادلة اوسلو التي امن بها والده واسحق رابين، فسوف يوصم كما والده بمعاداة السامية، وبأنه يتملق بأسلوب ميونيخ، وذاك من قبل كل من الاسرائيليين وحلفائهم المحافظين الجدد داخل البيت الابيض.
ولكن، ان لم يتمكن بوش من توجيه شارون، فلن يكون هنالك سلام وان لم يكن هنالك سلام في الشرق الاوسط فلن يكون هنالك امان لنا أبداً- لأن الارهاب لن يتوقف، وكما سوف ينقل او يروي أي ديبلوماسي أو صحافي يسافر الى المنطقة، فإن اخفاق امريكا في ان تكون عادلة، واخفاقنا في لجم شارون، واخفاقنا في ادانة تجاوزات اسرائيل، وتواطؤنا الاخلاقي في سلب ومصادرة اراضي الفلسطينيين وانكار حقوقهم في تقرير مصيرهم فإن هذا سيكون سببا مساعدا ومؤازرا للعداء لأمريكا في العالم الإسلامي حيث ينمو ويترعرع الارهاب والارهابيون.
ختاماً، فإن الشعب الإسرائيلي صديق لامريكا وله الحق في السلام والحدود الامنة. علينا ان نساعده على نيل هذا الحق، وكأمة، لقد قطعنا التزاماً أخلاقياً تم تأييده وصونه من قبل ستة رؤساء والذي يرغب الامريكيون في احترامه، لا أن يسمح بأن يشهد هؤلاء الناس الذين عانوا الكثير دمار وخراب بلادهم ونحن علينا احترام هذا الالتزام.
لكن المصالح الامريكية والاسرائيلية غير متطابقة او متماثلة وغالباً ما تتصادم، وعند حدوث ذلك، فالمصالح الامريكية هي التي يجب ان تسود وتنتصر فضلاً عن ذلك، فنحن لا نرى نظام شارون بوصفه «أفضل صديق لامريكا».
ومنذ عهد بن غوريون، كان سلوك نظام اسرائيل يتراوح بين المراوغة والازدواجية، ففي الخمسينيات، قامت استخباراتها «الموساد» بتفجير المنشآت الامريكية في مصر ليبدو الامر وكأنه من عمل القاهرة، بهدف تقويض العلاقات الامريكية مع حكومة عبدالناصر الجديدة، وخلال حرب الايام الستة، اوعزت اسرائيل بهجمهات متكررة على البارجة الامريكية ليبرتي ادى لمقتل 34 بحاراً امريكاً وجرح 171 فضلا عن اطلاق المدافع الرشاشة على طوافات الانقاذ البحري، ولم يتم التحقيق في هذه المذبحة أو فرض العقوبة بسببها على اسرائيل من جانب الحكومة الامريكية وذلك من منطلق الدواعي القومية.
ورغم أننا قد قدمنا لإسرائيل عشرين ألف دولار لكل مواطن يهودي، ترفض إسرائيل التوقف عن بناء المستوطنات التي تعتبر سبب الانتفاضة الفلسطينية. لقد جر ودنس الليكود اسمنا الطيب في أوحال ودماء رام الله، حيث تجاهلوا طلبات الرئيس بوش لضبط النفس وباعوا تقنية الاسلحة الامريكية الى الصين بما في ذلك صواريخ باتريوت وصواريخ فونيكس جو جو والطائرة المقاتلة لافي، التي تعتمد على تقنية طائرة اف 16، ولولا التدخل الامريكي المباشر لما تمكنا من منع بيع اسرائيل لنظام الاواكس. لقد حرضت ورشت اسرائيل جوناثان بولارد لسرقة اسرارنا وترفض اعادة وثائقنا والتي سوف تثبت ما اذا كانت قد بيعت لموسكو أم لا وعندما حاول كلينتون ان يلعب دور الوسيط لعقد اتفاق واي بلانتيشن بين اسرائيل وعرفات حاول ناتانياهو ان ينتزع ويبتز اطلاق سراح بولارد كثمن لتوقيعه على الاتفاق، لكي يتمكن من اعادة هذا الخائن الافعى الى اسرائيل ممجدا اياه كبطل قومي.
هل يتصرف البريطانيون، أقرب حلفائنا، بهذا الشكل؟
رغم اننا قلنا مرارا وتكرارا إننا معجبون كثيرا بما فعله هذا الرئيس، لكنه لا يستحق اعادة انتخابه اذا لم ينبذ ويتخلص من جدول اعمال المحافظين الجدد الخاص بالحروب التي لانهاية لها على العالم الإسلامي والتي سوف لن تخدم سوى مصالح بلد غير الذي انتخبه ليصونه ويحميه.
|