لاشك أن التجارب العسكرية السابقة للنظام العراقي لن تذهب دون الاستفادة من أخطائها التي وقعت وبالتالي ما نشاهده اليوم من استراتيجية عراقية لمواجهة القوات الامريكية البريطانية لم يكن يتوقعها الكثير من المحللين الاستراتيجيين العسكريين والسياسيين. فتطبيق أسلوب الحرب النظامية والتي كان من المنتظر أن يتم استخدامها من الجانب العراقي لمقاومة هذا الغزو لم تستخدم وإنما وضعت درجة ثانية أو في مرحلة متأخرة بهدف قراءة ما سيتم احرازه من خلال الركيزة الأساسية في هذه المواجهة والمبنية على الحرب غير المنظم أو ما يسمى حرب الميليشيات. فمنذ أن بدأ الهجوم على العراق وتحديدا منذ اليوم الثالث للحرب بدأت الخسائر والاضرار تلحق بالقوات الامريكية البريطانية فنجد أن قوات المشاة عانت وتضررت وأيضا مدرعاتهم وآلياتهم وكذلك طائراتهم أصيبت وأسقطت في أكثر من مرة . لذلك أرغمت هذه المفاجآت المخططين العسكريين على إعادة النظر في الخطط التي رسموها لغزو العراق والتي أثبتت احداثها أن النزهة البرية المأمولة للغزاة ذهبت أدراج الرياح فالاستراتيجية التي تم وضعها والقائمة على (الصدمة والترويع) والتخلص المبكر والسريع من القيادة العراقية من خلال القصف الصاروخي ستكون كفيلة بتفكيك أوصال النظام العراقي واستسلام جيشه وانتفاضة الشعب العراقي الذي سيستقبلهم كما كانوا يأملون ويتوقعون بالورود .
لذلك أصاب الفشل هذه الاستراتيجية وذهبت أدراج الرياح مما أجبر المخططين العسكريين لهذا الغزو على اعادة النظر . فما شاهدوه من موقف الشعب العراقي منذ المواجهة الاولى في أم قصر ثم البصرة كانت ورودا قاسية للقوات الانجلوامريكية أصابتهم بخسائر فادحة فالضيف يستقبل بالقهوة العربية الاصيلة ولكن في وضع العراق يستقبل الغازي الأمريكي بالنار.
من هذا المنطلق بدأنا نواجه مواجهات عنيفة دامية راح ضحيتها مدنيون أبرياء في مآس ومناظر تكررت كثيرا. هذا الوضع اللاانساني كانت نتيجته الاستباحة الامريكية للجميع استباحة الشرعية الدولية واستباحة مجلس الامن واستباحة السيادة واستباحة في النهاية للمواطن العراقي ولعل مجزرة «الحلة» دليل على ذلك. فإذا كانت الغاية هي الاطاحة بصدام فليس من المعقول أن تكون الوسيلة أو الوسائل هذه المآسي المريعة . وعلى الرغم من القتلى العراقيين فإن الشعب العراقي سينظر للغازي الانجلوامريكي بأنه مغتصب لأرضه ومغتصب لكرامته وكبريائه وبالتالي سيقبل بجهنم صدام ولا يقبل بجنة بوش .
المهم في الأمر أن سير العمليات ووضع القوات الانجلوامريكية بدأ يعاني من ضغوط نفسية كبيرة فالعمليات الاستشهادية الفدائية ظهرت ومن المنتظر تزايدها كذلك الظروف المناخية المتقلبة ولهيب حرارة الشمس ودرجة الحرارة المرتفعة لفصل الصيف والذي سيشكل قلقا وهاجسا للمخططين العسكريين للحرب على العراق .
بالتالي فالقادم من الأيام تحمل أوضاعا نسأل الله أن يسلم المدنيين العراقيين صعابها وتحمل مفاجآت لن تمر سهلة على القوات الغازية وإنما ستكون صدمة ترويعية عكسية.
|