Thursday 3rd april,2003 11144العدد الخميس 1 ,صفر 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ليست «مزايدة» لكنه بكاء العاجزين ليست «مزايدة» لكنه بكاء العاجزين
منصور محمد الخريجي

قرأت للأخ عبدالله أبو السمح عموداً له في جريدة عكاظ تحت عنوان «المزايدون» ينحي فيه باللائمة على الكتاب والمعلقين العرب الذي بدوا له وكأنهم في دفاعهم عن الشعب العراقي ضد الهجمة الاستعمارية الجديدة التي يتعرض لها القطر الشقيق، إنما يدافعون عن الرئيس العراقي وبطانته المتربعة على كراسي الحكم طيلة العقود الثلاثة الماضية. ولقد سال قلم الأخ أبو السمح سلساً سهلاً يصف الفظائع التي ارتكبها صدام حسين ضد شعبه وجيرانه ويصور جبروته وتخبطه ومهاراته الفائقة في جعل العراق والعراقيين أفقر البلاد العربية وأفقر العرب بهذا الترتيب.
لقد أشتهر عن عبدالله أبو السمح أنه، ومنذ أن كنا طلاباً في مدرسة تحضير البعثات، في أي مناقشة في الفصل ومهما كان موضوعها، أنه ينتظر إلى أن يدلي كل منا بدلوه ثم يأتي هو في النهاية بقول يخالف فيه الجميع. ولا أقول إن هذا اتجاه غير صحي أو غير مطلوب في النقاشات العادية وأنها لاتثير حمية النقاش وصراع الآراء، إن ميل عبدالله أبو السمح هذا إلى تنكب طريق الأغلبية قاده في حياته فيما بعد إلى التطرق لموضوعات اتسمت بالجرأة والصراحة التي قد يحجم بعض الكتاب عن الخوض فيها، وقد كنت ولا أزال أبحث عن مقالة أبو السمح في جريدة عكاظ. والناس عادة يتقبلون اختلاف الرأي في موضوعات تعالج شئوناً داخلية وتتصدى لمشاكل اجتماعية تمس حياة الناس فيما بينهم، لكن هناك مبادئ ومسلمات تقوم عليها كياناتنا كأمة عربية مسلمة لانستطيع أن نعبث بها، ومنها مثلاً أن نرى شعباً من لحمنا ودمنا يباد على أيدي غزاة غربيين ثم ندعي أن كل ذلك يهون إذا كان الثمن هو رأس صدام حسين.
من المؤسف حقيقة أن يسمي أبو السمح الكتّاب والمعلقين الذين لا يملكون أكثر من أقلامهم يعبرون بها عن حزنهم وأسفهم للمأساة التي يتعرض لها شعب عربي شقيق، أقول من المؤسف أن يسميهم أبو السمح «مزايدون» يتهمهم بأنهم يكادون يدافعون عن صدام حسين وزبانيته. لا أحد يزايد على مساندة نظام صدام حسين بل معظم أولئك يبكون العجز العربي والذل العربي اللذين شاء حظنا البائس نحن أبناء هذا الزمن الصعب أن نعيشه ونقاسي فيه ذل الانكسار والهوان على الآخرين، لا أحد يزايد ولكننا كلنا نبكي كالنساء نبكي بغداد والعراق ونذرف الدمع السخين على إخوان لنا يبادون أمام أعيننا بينما نحن فقدنا كل إحساس بالغيرة وكأن ما يجري أمامنا على شاشات التلفزيونات ليس أكثر من فلم السهرة نشاهده ثم نخلد للنوم لايشغلنا شاغل. إن أقل ما يمكن أن نعمله هو أن نبكي وهذا من أضعف الإيمان على رجال ونساء وأطفال أبرياء وعائلات تباد في غمضة عين بصاروخ أطلقه رجل أو امرأة ليس بينه وبين أولئك البؤساء أدنى معرفة، دعك من عداوة. هل استمع أبو السمح إلى ذلك الصبي الذي اختلط كلامه ببكائه وهويحكي لنا كيف أندلعت مصارين أخته الصغيرة من جوفها على أثر سقوط صاروخ، ربما عن قصد، على سوق شعبي في وضح النهار؟ وهل استمع الأخ عبدالله إلى السيد رامسفيلد وهو بوجهه الكالح يهدد سوريا وإيران بنفس مصير العراق أو وهو يحتج على معاملة الأسرى الأمريكيين الذين وقعوا في أيدي العراقيين وأنهم كيف يجب أن يعاملوهم كأسرى حسب اتفاقية جنيف؟ لقد نسي رامسفيلد سجناء جوانتانامو الذين يرسفون في الأغلال وقد وضعوا في أقفاص كأنهم حيوانات متوحشة دون محاكمة ودون أن يثبت على أي منهم أي جرم. ثم هل تساءلنا عمن هو «العدو» الذي يطلقه الجنود الأمريكيون والإنجليز ومراسلو قنواتهم الفضائية على أهل العراق عموماً؟ وهل اعتدى أحد من العراقيين على أحد من أولئك الغزاة الذين جاءوا لمحاربة العراقيين واحتلال بلدهم؟
يعرف الأخ أبو السمح ونعرف نحن ويعرف الجميع أن صدام حسين زعيم عصابة بدرجة رئيس جمهورية وأنه مع عصابته أذاقوا الشعب العراقي الويلات والذل وجلبوا لهم المصائب في حروب غبية استنزفت ثروات البلاد وجاءت بالخراب والدمار على أهل العراق ولكن من طلب من بوش وتابعه بلير التطوع لإنقاذ العراقيين؟ قد يقول قائل إن الطلب جاء من جماعات المعارضة العراقية المنتشرين في أوروبا وأمريكا. لكن حتى لو سلمنا جدلاً أن هذا صحيح ألم يكن الأجدر بالولايات المتحدة أن تسلح أولئك المعارضين وتساعدهم على تنظيم صفوفهم ثم إن كانوا جادين يذهبوا هم وينقذوا أهلهم وبلدهم من براثن صدام.
ولكن السؤال الأهم هو: هل يعتقد عاقل أن أمريكا أو إنجلترا تقبل أن تفقد جندياً واحداً من جنودها لأجل سواد عيون العراقيين أو غير العراقيين إن ما يحصل في العراق وما قد يتبعه في دول عربية أخرى هو استعمار جديد بعد أن خلعت أمريكا وحلفاؤها الغربيون برفع الحياء وكشروا عن أنيابهم. إنهم وراء ثروة العراق، ووراء تحطيم قوة العراق وتطوره النسبي بين الدول العربية. كان العراق هو البلد العربي الوحيد المرشح لو تسنى له حاكم عاقل وإدارة واعية للتصدي لعدوان إسرائيل واستهتارها بالدول العربية. ولا إخالني إلا وهناك عرس شامل في الدولة اليهودية هذه الأيام وليذهب العراق وأهله والعرب جميعاً إلى الجحيم.
إن كل الشعوب تدافع عن أوطانها في حالة تعرضها لغزو خارجي بغض النظر عمن يحكمها ولا أظن أن بديهية كهذه تفوت على الأخ أبو السمح. وإلا مامعنى أن كل العراقيين الموجودين مثلاً في الأردن وبدلاً من أن يلجأوا إلى الخيام التي أعدتها الحكومة الأردنية طلبوا شاحنات يعودون بها إلى بلادهم ليدافعوا عنها ضد الغزاة! لا تجد عاقلاً يبكي على صدام وزمرته لكننا نبكي جميعاً الشعب العراقي ونبكي بغداد والبصرة والموصل وكل المدن وقرى العراق التي تدكها طائرات وصواريخ الغزاة، ونبكي الأبرياء من أبناء الشعب العراقي الذين تحصدهم نار الصواريخ وبنادق الغزاة وتباد جموعهم في إخراج تلفزيوني على الهواء مباشرة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved