بدء الحملة العسكرية على جزء من الأمة العربية والإسلامية هو مظهر من العدوان الإنساني الذي يؤكد غياب المسلمات العالمية على حد تعبير الشرعية الدولية..!!
إن الخلل العالمي الذي نعيشه اليوم هو انطلاقة لأخطار عظيمة لايمكن تقدير حكم تبعاتها وفق منظور إنساني قاصر، وهذه الحالة التي تعيشها إدارة الحرب الأمريكية لا تمثل في حقيقة الأمر مظهر قوة ؛ لأن شن الحملة على العراق شن أرعن لإلغاء قوانين الأمم المتحدة وتعهداتها التي أسسوها وفق منطقهم على أنقاض الحرب العالمية الثانية.
ولما كانت العهود تأخذ في الحسبان توازن القوى أصبحت اليوم لا تخدم القطبية الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم فهي تلغي كل ما سبق لتؤسس لوحدانية الولاء لها..وما يجب أن نؤكده هنا هو أنه لم تعد أمريكا بحاجة إلى حيل الديمقراطية والحرية والحقوق الإنسانية فهي اليوم تخالف كل معانيها، ذلك أن فتح هذا المجال ربما يمنعها- كما حصل في مجلس الأمن/ الحرب- من الانقضاض على أهدافها، ومسرح الحرب اليوم وإمطار عوالم بريئة بقذائف وصواريخ لا يمكن أن يعني شيئاً بكل المقاييس إلا الاستهتار بالمصالح العالمية وتركيع العالم بمنطق القوة لا قوة المنطق.
إن هذا الاتجاه الذي بدأته أمريكا في أفغانستان- ولم تنته بعد- وتمر به على العراق هو حالة تعكس ضعف إدارة الإدارة الأمريكية لشؤونها الداخلية والخارجية، وأجزم أن أحداً لن يناقش في أن الإعمار لا الدمار هو المنطق الأقوى لاستجلاب احترام الشعوب وتقديرها، ولكن ذلك لم يعد يرضي القوى الكبرى.
وهذه المظاهرات العارمة في كل صقع من دول العالم بما فيه الغرب دليل أكيد على تهاوي صورة الحرية وتنامي صورة الديكتاتورية في مخيلة الشعوب العالمية عن الإدارة الأمريكية. وذلك ما يجعلنا نؤكد ونتأكد من أن هذا المنطق القوي في مظهره والضعيف في مادته وروحه الذي تستخدمه أمريكا لن يجابه إلا بالمقاومة لا المسالمة، وذلك مانعنيه حينما نتصور أن جسم الصورة الأمريكية يتأكل يوماً بعد يوم من خلال انتشار «كريات» الكُره العالمي في جسدها.
من الصعوبة أن تستعبد الناس بالقوة ومن الاستحالة أن يشعر المهان بالولاء للمهين«أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. فطالما استعبد الإنسان إحسان»، إن بشاعة ما أقدم ويقدم عليه صناع الحرب اليوم تقترن بتقديرنا بأهداف تسعى لاستهدافها ولذلك فمن الخلل في التصور والتفكير أن نفهم بأن المراد هو صدام أو إدارته- على خلافنا معه- إن هذا العدوان تخطى كل المفهومات والمواثيق المتعارف عليها دولياً ومن ثم فالتضحية بكل هذه الأعراف توحي بأن هناك تشكيلاً جديداً ينتظر العالم قريباً. إن من الخلل المركب أن نتعاطى المسألة وكأنها حرب تحرير لا احتلال.. وكأن تاريخ الصدامات والمواجهات العالمية تستثني أمريكا من معادلة الهيمنة والسيطرة وفرض النفوذ.
إن العاقل لا يحتاج إلى تأكيد أن هذا العدوان أكبر من صدام وأخطر من أسلحته وأعمق من العراق كله.. وذلك يعني استقصاد مقومات وخيرات البلاد المستهدفة وتشكيل خارطة جديدة تدين بالولاء للأسود لا غير.
إن عالمنا ومبادئه وسياساته تهزم اليوم!!.. ذلك أنه تعاهد على احترام السيادة وحماية الحقوق والحريات وصيانتها.. واليوم تنتهك كل هذه المبادىء على مرأى ومسمع من العالم كله.. والوجه الآخر الذي وجب أن نؤكده ونتحدث عنه هو أن جميع ادعاءات الليبرالية والديمقراطية واحترامها للحقوق الإنسانية تهان باسم الدولة التي جعلت من رمز الحرية شعاراً لها.. ولذلك فمن المكاسب في هذا الشهر أن يعتقد العامة والخاصة والعالم بأسره أن جميع هذه المفهومات الحضارية تتساقط وتتهاوى أمام العجرفة الأمريكية والصهيونية.
إن تعميق الهوة بين البلاد العربية والإسلامية هو نتيجة طبيعية لهذه الهمجية من ناحية، كما أن تهميش القوى العالمية وتفتيت الوحدة الأوربية هو مقصد من مقاصد الحملة الأمريكية.
.. اليوم.. أحسن الله عزاءنا في العالم ومبادئه ومواثيقه وخلف لنا خيراً منه!
ومن اليوم لن يهدأ العالم ولن يهنأ ولن يستقر مادام أن هناك اعتداء وما دام أن هناك استعلاء.. طال الوقت أم قصر!.. وإلى اليوم فمنطق العنف «الضعف» العالمي هو المسيطر على الساحة العالمية إذ إن هيجان المظلوم يحتاج إلى سلاسل قوية لتقييده لكي لا يبرح مكانه فيدمر من أمامه. هذا ما علمتنا إياه أحداث التاريخ.. وما سوف تؤكده الأحداث اليوم أو غداً.. وكم يحتاج العالم اليوم إلى إعادة المسار إلى طبيعته.. وإلا فسوف يجني السكوت ما يجنيه الاعتداء.. «فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً» والله المستعان. لفتة:«آمل أن نكون في عالمنا العربي والإسلامي كباراً بقدر الأحداث التي تواجهنا لتحقيق الوحدة لا الفرقة وإذا كبرت الهمم والأفهام تعبت في مرادها الأجسام».
|