Wednesday 2nd april,2003 11143العدد الاربعاء 30 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأذن الأمريكية وإنذار العواقب الوخيمة الأذن الأمريكية وإنذار العواقب الوخيمة
سليمان علي السلطان/ مستشار الموارد البشرية- الشركة البريطانية للطيران والفضاء

ما يمكن ان يتمخض عنه الحرب على العراق لا يقتصر على فداحة الحروب وجرائمها المعتادة ولكنه قد يمتد إلى بلورة «نظام سياسي جديد» قد يؤدي بالاستقرار والأمن العالمي إلى الجحيم، ولم يفت السياسيون الأمريكان أي مناسبة من دون ان يصرحوا أو يبشروا بهذا النظام الجديد، فالسيد/ ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي في مقابلة في التلفاز الأمريكي أجريت له مؤخراً أكد فيها «بأنه لم تعد استراتيجية، ومؤسسات القرن العشرين فعالة» أي انها لا تتوافق مع ما أسماه «حملة القرن الواحد والعشرين على الارهاب». ولم يكن خطاب الرئيس بوش الذي ألقاه في 16 مارس في الآزور إلا صدى لما قاله السيد تشيني، فهو كما قال لا يزال يأمل «ان تفعل الأمم المتحدة شيئاً في الغد، وان تؤدي عملها وان لم تفعل، فنحن إذاً في حاجة ان نقف، ونفكر كيف لنا ان نجعل من الأمم المتحدة تعمل بصورة أفضل، بينما نحن نتوغل في القرن الواحد والعشرين».
لقد أصبحت الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة مهووسة بأي شيء اسمه النظام العالمي الجديد، كأنها تعبر سلباً عن الملل الذي أصابها من النظام الثنائي القطب الذي ساد النظام العالمي قرابة النصف قرن، وعن الكبت الذي كانت تمارسه الدولة الشيوعية عليها فخرجت تهتف بأي نظام جديد، كان البادئ بهذه الكلمة السحرية في عالم السياسة التطبيقي هو الأب بوش، ومن ثم رددها الرئيس كلينتون ثم أخذ بوش الابن يلوكها بلسانه في كل مناسبة بشكل ظاهر لا يخفى على العين. وقبل ان تتناقلها ألسن السياسيين الأمريكيين، سطرتها بعض الأقلام الأمريكية مثل صموئيل هنتكتون وفرانسيس فوكوياما، فإنهم قد وجدوا المسرح العالمي يعمه الفوضى فجأة من دون سابق تحذير، واختفى شبح الدب الأحمر، ولم يبقَ لأمريكا أي عدو يشغل بالها فأخذ هؤلاء الكتّاب يستغلون هذه الرغبة الجامحة لدى السياسيين، ويوظفون مهاراتهم الفكرية ليخلقوا لنا نظاماً عالمياً جديداً، وإذا لم يكن في الواقع موجوداً فلا داعي ان يقلقوا فإن صنّاع القرار الأمريكي سيخلقونه خلقاً في الواقع حتى لو كان العالم بأسره غير مقتنع بهذا النظام، وبهذه الرؤية للعالم ومستقبله، إلا ان أمريكا قد اتخذت قرارها مسبقاً وجعلت من نفسها رغماً على الجميع وصياً على العالم.
لقد استولى على العالم الدهشة عندما كشفتْ أمريكا عن استراتيجيتها الجديدة في مطلع القرن الواحد والعشرين للأمن القومي الأمريكي، وحددت فيه سياستها إزاء العالم، وجعلت هكذا من العالم بأسره عدواً محتملاً لها، فأي دولة ممكن ان تعتبر خطراً على التوازن الزمني العالمي إذا هددت المصالح الأمريكية، ورسمت لنفسها آلية دفاع غريبة، لم نشهد لها مثيلاً في التاريخ سمتها الهجوم الوقائي لدحر أي عدو محتمل «تجاوز الأمر من الدحر إلى التدمير»، ولم تقف أمريكا عند هذا الحد، والغريب في الأمر ان سياستها هذه حتمت عليها ان تهاجم عسكرياً الاقاليم ذات المواقع الاستراتيجية مثل افغانستان والعراق والسهلة اللقم، وان تشيح بعينيها عن دول أخرى أشد خطورة مثل كوريا الشمالية وان لم يقتصر دورها على الصد الوقائي، ولكن تعدى هذا إلى الاحتلال الاستعماري العسكري بحجة واهية وهي بناء هذه الدول على حسب نزواتها وأهوائها وتشكيلها كيفما تشاء، لكي تحقق لنا ما تزعم انه السلام العالمي، والحرية والديمقراطية. وها هي تبلغ درجة في منتهى الخطورة لغزو العراق، واحتلاله رغم معارضة العالم لهذه الحرب شعباً وأنظمة، ومن دون أي غطاء شرعي، وهي بذلك تصوب سهماً قاتلاً لمنظمة الأمم المتحدة التي بذل العالم ولا سيما دول الحلفاء جهداً عظيماً لبنائها على أنقاض هيئة عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الثانية، مدفوعة بتكهنات عن النظام العالمي الجديد، ومدفوعة بخلق نظام حيث لا يوجد فيه نظام، وقانون حيث لا يوجد فيه قانون إلا قانون القطب الواحد.
ورغم كل المحاولات التي بذلتها دول غربية لارجاع الحصان الأمريكي إلى الحظيرة الدولية آخرها كان تصريح جاك شيراك رئيس فرنسا عن اعطاء مهلة 30 يوما للمفتشين قابلتها الإدارة الأمريكية بكل ريب وشك ولم تكن كما قال عنها السيد تشيني إلا «تكتيك للتأخير وتعطيل عمل الولايات المتحدة»، وأدخل هذا الإصرار على الحرب العالم في دوامة من اليأس والقنوت، وبدا استقرار العالم في كفتي نزوات «القوة العظمى الوحيدة» التي تمرق على أي نظام غير نظام مصالحها، كما تراه من وجهة نظرها الضيقة، فإذا تخطى العالم أزمة العراق، فمن يضمن ان العالم قد يقدر ان يتحمل إحدى هذه النزوات الأمريكية في المستقبل تحت ظل نظامها الجديد الذي تريد ان تقيمه، ويقع المحظور ويدخل العالم في حرب عالمية ثالثة، وكل هذه الأفكار المرعبة لم تثنِ الرئيس الأمريكي عن عزمه على الحرب، ولم تساوِ في قسطاسه إلا 48 ساعة هي آخر مهلة للعالم لكي ينصاع ل«النظام العالمي الجديد» تبرع بها بوش للعالم على منّة.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved