أصبحت مصادرة الأموال أو حجزها لبعض الوقت أو الحجر على تصرف جهات مالية معينة أو تجميد أرصدة مالية هي العمل المفضل لمؤسسات المال الأجنبية.. فرؤوس الأموال المودعة في خزائنها وبنوكها لدول نامية أو لمؤسسات شرقية عربية أو غيرها ترى في أسواق الغرب أكبر وسيلة من وسائل الربح السريع بل أكثر أمناً من دول آسيا وأفريقيا التي تتغير أنظمتها السياسية والمالية دون اشعار مسبق، بل ان الشركات والمؤسسات وكبار رجال الأعمال وصغارهم بل كبار الموظفين في القطاعين العام والخاص في تلك الدول يفتخر بأن لديه حساب خاص في أحد البنوك الكبرى الدولية في أمريكا أو أي من دول أوروبا الغربية.
ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001م بدأت تتفكك رموز لأساطير مالية كبيرة كان الزمن قد أكسبها متانة وقوة وأضافت إليها الشائعات أجنحة تنتقل بها عبر أذهان تشعر بالرعب فتثير الكثير من علامات التعجب حول تصرفات تعد من تلقائيات الأمور عندما يجد الانسان نفسه يؤمن بوضع قائم حتى دون دلائل على قوة هذا الوضع ما دامت الناس قد اتفقت على أنه هو الصورة السوية.
أحداث 11 سبتمبر وما تلاها فتت الكثير من هذا الأساطير القوية التي كانت ملاذاً لكل التوصيات المصنوعة حول عدم قدرة الشرق على الانضباط والتوازن.
والمملكة العربية السعودية دولة ذات كيان قوي متماسك لا يمكن أن تغير من قوته الرياح السياسية المصنوعة فلدى قادة بلادنا رسالة خالدة هي حماية المقدسات التي تلزمها على عدم التورط أو الخوض في نزاعات استراتيجية قد تقود على المقدسات أو المناسبات الدينية مخاوف أكثر من مليار مسلم تعد المملكة مسؤولة عن تأمين عبادتهم في أروقة الحرمين الشريفين ومشاعر الحج.
إن مدينة جدة - ميناء الإسلام الفقري - وموطن تجارته الحرة - ومقر منظمة المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية - يمكن أن تتحول إلى مركز آمن يضم صندوقاً للنقد الدولي الجديد وبنكاً للتنمية أكثر نفوذاً من تلك البنوك التي تقدم لدول العالم الإسلامي قروضاً مجحفة كما يمكن أن تضم سوقاً للأوراق المالية العالمية ومكاتب للتداول لشركات آسيوية وأفريقية عملاقة، اضافة إلى بنك للقروض الاستثمارية في العالم العربي والإسلامي والدول النامية يقوم بتنفيذ عمليات استثمارية وسط إدارة محكمة لمحافظ الأموال التي تقدم تلك القروض.
إن حرب العراق وما تنتج من سلبيات لها أكد للسلطات المالية المحلية والدولية أن شروط الأمن المالي والاقتصادي والتجارب لها بدأت تعتمد على بند يضمن سلامة الصرف والأداء والتعامل على الأموال في أي وقت وتحت أي ظرف.. ولا يوجد هذا البند إلا في أجواء المملكة العربية السعودية فهي دولة لا تتسلط على الجوار أو العمق الاستراتيجي العربي والإسلامي، بل هي ملاذ لكل من يترقب عوناً، فهي دولة غنية من حيث الكنوز والمواقع، لذا فالأموال الأجنبية فيها آمنة ولا يمكن قهر أصحابها بمجرد الاشتباه بهم أو النيل من أموالهم، نظراً لانتفاء ضرورة الفقر في الحيز المالي السعودي.
إن وجود مركز مالي في جدة خطوة أكيدة ترحب بها شركات المال وبيوت الخبرة الاقتصادية والبنوك الكبيرة ليس فقط في آسيا وأفريقيا بل في أوروبا وأمريكا فرجال المال الأمريكيون بالذات يرحبون خارج ضغوط مؤسسات دينية وسياسية أمريكية بأن يستثمروا من الخارج بل أن يضعوا أموالهم في مراكز مالية سعودية بعداً عن ضرائب قسرية يدفعها هؤلاء التجار لمؤسسات يهودية أو صهيونية أو مسيحية أصولية، أو أحزاب تلزم هذا التاجر أو ذاك بدفع نسبة من الربح تحت مسميات وطنية وهمية.
إن المملكة العربية السعودية دولة غنية تمدها أرضها بالثروة وتعدها بالثراء في مكنونها، وفي كل شبر منها أسراب تنير المستقبل وتؤكد المقدرة والحياة لذا فلن تفرض الحكومة أية ضرائب على أموال الآخرين والسوق السعودية سوق دولية وفي قيام المركز المالي الكبير في مدينة جدة سوف يشعر المالي العربي والدولي بأمن أكبر.
إن حرب العراق مؤشر أكد للجميع أن المؤسسات الدولية تدار بقوة البلد المهيمن والأمم المتحدة تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها ومن هذه المقر بدأ التذمر العالمي لعدم قدرة الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة على تفهم معاني الحياد، فقد عادت إدارتها إلى سلوك يوحي بأن التصلب الديني هو المعيار الذي ستعمل به الإدارة لامريكية.. ومن المملكة العربية السعودية حيث مهد الدين الإسلامي الذي هو دين الأديان جميعها يحيط بسماحته كل البشر ويمنحهم الفرصة لتفهم القيم والمعاني السامية فالدين المعاملة.
إن المملكة العربية السعودية لا تمتلك قوة تقهر بها الدول أو المؤسسات المالية الكبيرة، بل تمتلك جواً صافياً آمناً يوحي بأن القوة للحق وعلى الحق - وأن كل صاحب مال مسؤول عن ماله ينتفع به كيف يشاء دون تسلط حكومي أو مساءلة في ظل سيادة القانون وحماية النظام الذي هو أساس الإسلام.
أتمنى أن يرى هذا المركز النور قريباً فهو عمل موئل يتم تأسيسه لحماية الأموال النامية ويتعرى خلفه فرص لكل مال وافد، فهو ليس ضد كيانات مالية قائمة أو توجه ضد أنظمة أو مؤسسات مالة قائمة، بل هو اضافة لقوة هذا العالم بعد أن تعرضت مؤسساته المالية الدولية لخلل أذاب مصداقيتها في التعامل لدى الكثير من الشركات والمؤسسات الدولية وأصحاب رؤوس الأموال.
إن البنية الأساسية من حيث الأنظمة والقوانين جاهزة لقيام هذا المركز ولم يبق سوى أن تتحرك الإرادة وتقوم الإدارة لنكون كما أردنا لأنفسنا بعد إرادة الله تعالى.. أمناء على الناس روحياً ومالياً .
فالله معنا دائماً..
|