مدنيون في مرمى النيران

ينهمر الرصاص بكثافة ثم يصمت كل شيء لنرى أكواماً من جثث المدنيين العراقيين الذين حصدهم رصاص جنود أنجلو أمريكيين استبدت بهم هستيريا الذعر وصاروا يحسبون كل ما يتحرك استشهادياً آخر يسعى إلى تفجير نفسه بينهم.
الأنباء المتسربة حتى الآن تفيد بحادثين من هذا النوع، ولكن في صحراء العراق ومستنقعاته وسهوله لا تصل كل الأخبار وخصوصاً تلك الأخبار التي قد تشكل حرجاً للقوات الأمريكية والبريطانية.
هذا بالطبع غير ضحايا القصف الجوي حيث أصبحت القنابل الذكية في منتهى الغباء لأنها تستهدف المدنيين ومنشآتهم أكثر من استهدافها العسكريين.
مسارات الحرب بهذه الفواصل المفجعة تعكس انحداراً شديداً نحو مذابح جماعية نجد تبريرات غير مقنعة لدى مرتكبيها، فهم يتحدثون عن خسائر وسط المدنيين لا مناص منها ويتحدثون عن نسب منهم لا بد من فقدانها.
غير أن الحقيقة الساطعة تقول بحالات تسرع في إطلاق النار والتعامل مع المدنيين الذين تقطعت بهم السبل في بلادهم والذين يهيمون على وجوههم في كل الأنحاء.. وينجم ذلك التسرع عن الهلع الشديد وسط القادمين «لتحرير العراق» من الفدائيين.
إن هؤلاء الجنود القادمين من شمال العالم إلى أهوال جنوبه قد وجدوا ظروفاً مختلفة عن تلك التي تحدث إليهم عنها قادتهم، كما أن بعضهم ربما لم يسمع بأن هناك من هو مستعدٌّ لدفع حياته ثمناً من أجل وطنه..، وهم بذلك يتصرفون بعصبية شديدة وسيقتلون الكثيرين من الأبرياء خلال حملتهم هذه وخصوصاً أن لا أحد من العالم يتحدث عن جرائم أمريكية أو بريطانية في أرض العراق وليست هناك محاكم دولية تنتظر هؤلاء الذين يحصدون النساء والأطفال ببنادقهم السريعة الطلقات وقنابلهم الغبية..
إن فصلاً جديداً في المأساة الإنسانية يتم تسطيره في هذه الحرب وهو فصل سيكرس سطوة القوة والعدوان ويؤذن بعالم تسوده الفوضى وتغيب عنه القيم النبيلة التي حافظت على انسجام العالم طوال قرون بالحد الأدنى من التوافق بين الدول وهو أمر تظهر الحاجة الماسة له الآن..