Wednesday 2nd april,2003 11143العدد الاربعاء 30 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رأي إقتصادي رأي إقتصادي
المقاطعة الاقتصادية على الطريقة الأمريكية
د. محمد اليماني*

تعد المقاطعة الاقتصادية أداة للضغط على الأخرين وأسلوباً للتعبير عن الرأي تجاه فكرة أو قضية معينة. ولا يشترط دائما لأن تكون المقاطعة الاقتصادية ناجحة ومحققة لأغراضها ان تلحق أضراراً بالطرف الآخر أو تجبره على التحول عن رأيه أو موقفه. ومن أوائل الدراسات العلمية المتخصصة في العصر الحديث التي كتبت عن المقاطعة الاقتصادية وأهدافها وأشكالها وأساليبها مقالة للباحث جون برنت «John Burnett» نشرت في دورية علمية أمريكية «The Economic Journal» في شهر مارس من عام 1891م. وأوضح الكاتب في بحثه ان من أهداف المقاطعة الاقتصادية اشعار الطرف الآخر بأنه معزول أو منبوذ من قبل الأغلبية أو المخالفين له في التفكير أو في أسلوب العمل أو من قبل الأشخاص المحيطين به.
وربما طبق الأمريكيون المعاصرون بعض الأفكار الواردة في هذا المقال عندما توسعوا في استخدام المقاطعة الاقتصادية لتشمل الأشخاص والمسميات، فهم حينا يقاطعون السود بسبب لونهم ولا يتعاملون معهم سواء بالبيع أو الشراء أو التأجير الى غير ذلك من أشكال المعاملات ثم قاطعوا العرب والمسلمين بسبب دينهم أو جنسهم ثم أضافوا اليهم الفرنسيين والألمان بسبب آرائهم. وأخيراً ضاقوا ذرعاً باسم أكثر الأكلات شيوعاً لديهم ولم ينتبهوا الى ان اسمها يخالف مقتضيات الوطنية وأنه يحمل جنسية مخالفيهم في الرأي فقرروا تغيير الاسم من مقليات فرنسية الى مقليات الحرية ولعلهم لم ينتبهوا الى ان جنسية شعار الحرية وتماثلها لديهم هي فرنسية وفي هذه الحالة فإن التغيير سيطال الجوهر وليس الاسم.
وعموماً، فإن المقاطعة الاقتصادية تقليد أمريكي قديم يستخدمونه من وقت لآخر، ففي أواخر الثمانينيات الميلادية قامت مظاهرات مطالبة بعدم التعامل مع سلسلة محلات فرنسية للبيع بالتجزئة لمزاحمتها ومنافستها للمحلات الأمريكية المماثلة، ولأنها تسوق المنتجات الفرنسية والتي لا تستخدم مدخلات انتاج أمريكية وخاصة العمل. وتوجد المقاطعة الاقتصادية الأمريكية بأشكال أقل وضوحاً. ومن ذلك حفز المستهلكين على شراء منتجات معينة واستبعاد أخرى بناء على اعتبارات معينة، ومن الأمثلة على هذا كتابة عبارة صنع بفخر في الولايات المتحدة الأمريكية أو هذا منتج أمريكي أو ان هذا المنتج يستخدم مدخلات انتاج أمريكية أو أنك بشرائك لهذا المنتج ستساعد الذين يعملون في قطاع كذا الى غيرها من العبارات التي تجعل المستهلك الأمريكي يتخذ قراره بشراء المنتجات الأمريكية ويقاطع الأخرى المنافسة لها تحت قدر كبير من الضغط وأنه سيكون أكثر وطنية واخلاصا لبلده عندما يشتري المنتجات الأمريكية ويقاطع المنتجات الأجنبية. وسيكون أقل اخلاصاً لبلده ومواطنيه وربما شعر بالذنب وتأنيب الضمير فيما لو اتخذ قراره بناء على اعتبارات اقتصادية وبناء على ما يحتاج اليه وقام بشراء المنتج الأجنبي.
وإذا كانت الدوافع للمقاطعة الاقتصادية لدى المجتمع الأمريكي تنطلق من مبادىء الوطنية والتضامن بين أفراد المجتمع ومراعاة المصالح الشخصية والقومية، فإن الدافع لها لدى المسلمين يأخذ بعداً آخر اضافة الى الأبعاد السابقة وهو البعد الديني. فلربما كانت المقاطعة الاقتصادية في ظل اعتبارات وظروف معينة واجباً شرعياً بغض النظر عن الأثر الذي يمكن ان تحدثه.

*قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية
جامعة الإمام محمد بن سعود

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved