لا أحد يؤيد الحرب مهما كان حجمها، ونحن هنا، جربنا بعض ذيولها، عندما أرسل صدام حسين بعض صواريخه، إبان اجتياحه أرض الكويت، لإعادة الفرع للأصل على حد أدعائه، ورغم محدودية تلك الصواريخ وخيباتها الكثيرة، إلا أنها أعطتنا بروفة عن مدى ما يمكن أن تكون عليه الحروب، من قلة الراحة والقلق واليتم والتشرد. وكنا نعتقد ان تلك الحرب ستكون آخر الحروب العربية، على الأقل بالنسبة لصدام، رغم أن حرب صدام تلك، لم تسلم من كذابي الزفة، الذين زينوا لهذا الطاغية الهجوم على الدول الخليجية، مع إن هذه الدول هي التي فتحت أرضها وخزائنها لتقاسم الأمة العربية وأبناءها الخير الذي تعيش فيه، لكن الأحقاد الطبقية، حتى من الأخ لأخيه، لا يدري الإنسان متى تخمد ومتى تنطلق، وقد أطلقها غزو صدام للكويت، مع إن أرض صدام تموج بثروات متعددة، لكنها منذ حل البعث في الحكم، أصبحت هذه الثروات مجيرة بالكامل، للاستثمار في البارود والرصاص والغازات السامة.. لا شيء لرفاهية الفرد، وبالذات الفرد العادي، وكانت النتيجة أن قوافل أنصار الحرية والأمن والأمان، بدأت تهاجر مثل الطيور الجريحة، بحثاً عن شجر ومنازل وواحات جديدة خارج وكناتها الطبيعية، حتى وصلت هذه الطيور المهاجرة إلى أربعة الملايين مهاجر!!
وبما أن الحرب عادت، فإن السؤال الذي طرحته على نفسي، بمناسبة هذه الصواريخ الطائشة التي تسقط على منازل وأحياء شعبية مكتظة بالسكان، وكافة هؤلاء السكان من الفقراء والمهمشين، لماذا تنزل الصواريخ الطائشة على هؤلاء؟ لماذا لم تسقط على أحياء القطط السمان، الذين يدخنون السيجار ويأكلون الدجاج، ويركبون العربات الفاخرة؟ لماذا هؤلاء المهمشين يكونون هدفا سهلا وطائشا، بعد التمرد الذي أعقب حرب الخليج، وفي هذه الحرب؟ ولماذا عين لهم خصيصا السيد «علي كيماوي»، ولن أذكر اسمه كاملا، فالكل يعرفونه جيدا بهذا اللقب.. إن هذه الضربات الطائشة ليست طائشة، ان المقصود منها تحديدا، إحداث موجة من التعاطف مع جزار لم يملك إلا أضعف البشر، ليعمل سكينه، أو صعقاته الكهربائية فيهم، مع إن المألوف أن يختار الجزار عادة، الخراف السمان ليسد جوعه وجوع ضيوفه.. أتمنى أن لا يكون استنتاجي صحيحا، لسبب واحد، هو إنني أكره الغزاة الذين يهبطون بالطائرات والباراشوت والصواريخ، على الدول وسماواتها مهما كان هؤلاء الغزاة، وبالذات اذا كانت سحناتهم مثل سحنات الذين نراهم الآن في سماء وأرض العراق الحبيب. إن هذه الحرب شهدت للأسف الشديد، كما شهدت الحرب على إيران والكويت، خلطا عجيبا للأوراق، أبرزها ظهور طابور من الكتاب والصحافيين، الذين جعلوا هدفهم طمس الحقيقة، التي من المفروض أن تكون أمامنا، كاملة وغير منقوصة، ومن الطرفين، خاصة وأننا نرى منذ البداية، حجبا للعديد من الحقائق، من القوات الأجنبية والعراقية، ومحاولة فرض نتائج ومعلومات على الموجودين من الإعلاميين والمراسلين الميدانيين، من الطرفين، وقد يتعرض من يخرج عن الخط أما للطرد أو التيه أو التصفية، ولديهم العديد من الطرق والأسباب لتنفيذ ذلك!
إن العراق وأهله عندنا أفضل من صدام وعصابته، وبالتأكيد فإن الطاغية الذي كان سببا في تدنيس أصحاب «العقب الحديدية» كما يسميهم جاك لندن لأرض الرافدين وما يتبع ذلك من تصرفات تعسفية وقهر وبطش.. لديه القدرة للسير في الطريق حتى النهاية ولو كان ثمن ذلك بقاء رأسه وفناء العراقيين.
إن ما يذوقه الشعب العراقي الآن، سبق وأن ذاق أضعافه، في حروب خرجت من أرضه، على أراضي الجيران، ولأننا نعرف أن لا ذنب لهذا الشعب فيما حدث وما يحدث الآن، فإننا نتألم، فقد عانى هذا الشعب طويلا، وآن له ان يخلد إلى السلام، لكن كافة المؤشرات تقول بأن حصرم صدام ما يزال في أرض العراق وسيبقى طويلا..
وهو ما يدعو عقلاء الأمة، لتكثيف جهودهم لعل هذه الحرب تقف، ويرحل أصحاب «العقب الحديدية» الذين لم يأتوا إلى أرض العراق للنزهة، فغير الخراب الذي ينشرونه، فإن في وجودهم رسالة للجميع، قرأها الناس في العديد من الدول التي شهدت مثل هذا الوجود وهذه الظروف، ومهما قيل عن فحوى رسائل الغزاة فإن المخفي أعظم. إن من يدخل اللص بيته، عليه المباشرة بإخراجه، لكن ما هو الوضع إذا كان هذا اللص الذي سرق الشعب وشفط الهواء من أهل الدار، والمصيبة إن ممارسات هذا اللص أغرت لصوصا آخرين، جعلت أهل الدار لا يترحمون على لصهم فقط، ولكنهم يتعاونون معه. لإخراج اللصوص الجدد..
والله يعلم ماذا سيحدث، إذا خرج هؤلاء اللصوص، وبقي اللص الرئيسي!!.
فاكس: 4533173
|