Wednesday 2nd april,2003 11143العدد الاربعاء 30 ,محرم 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الغزو الأنجلو أمريكي في خطاب المواطن العربي الغزو الأنجلو أمريكي في خطاب المواطن العربي
هاجس الحاضر وذاكرة التاريخ
عبد الله الماجد

يخضع النظام العربي، إلى أخطر حملة تستهدفه، منذ أن تفتت كيان الوطن العربي في أعقاب حملات تاريخية استهدفته، في أعقاب حملات التتار والحملات الصليبية، وفي أعقاب الحربين العالميتين.
هذه الحملة الجديدة الأنجلو أمريكية، تضع النظام العربي بأكمله، في أصعب امتحان، وللأسف فإن نتيجة هذا الامتحان واحدة، هي قاصمة الظهر وتقطيعه إلى أشلاء.
يدرك المواطن العربي البسيط، أن المبررات التي تسوقها إدارات هذا الغزو الذي يتعرض له بلد عربي، إذا كانت تشكل محفزاً أو مبرراً لاصلاح نظام عربي يوصف بالقمع والدكتاتورية، فإن واجب اصلاحه يكون من أهل هذا النظام، أو من أبناء هذا البلد، ويدرك هذا الإنسان العربي صاحب هذه الفطرة البادئة، أن الإصلاح بالغزو سيكون دماراً ولن يكون بأي حال اصلاح، وإذا ما ارتضت هذه الشعوب بحكم جائر من داخلها بالقهر، فإن أقسى درجات القهر أن يسيطر عليها غاز من الخارج أو يفرض عليهم حاكم يدين بالولاء لهذا الغازي، كما حدث في عام 1914 فجر الحرب العالمية الأولى.
الدعائم الافتراضية التي قام عليها هذا الغزو، سقطت بعد الساعات الأولى من بدء اطلاق القاذفات وابلها من النيران. وأخذت صورة أوضح في مواجهة المواطنين لهذا الغازي، كما أن الصورة أخذت اطاراً أوسع في هذا المد البشري، في أنحاء البلدان العربية الذي ملأ الشارع العربي محتجاً على هذه الحملات الغازية رافضاً لها. في أوسع استفتاء شعبي جاهز، لكي يمرر منه أصحاب القرار العربي، قراراً رافضاً عملياً لهذا العدوان. هذا القرار هو المعجزة التي سوف تنقذ النظام العربي من السقوط، ومن أن يكون خارج التاريخ.
المواطن العربي صاحب الفطرة البادئة، في كل أنحاء هذه الأرض العربية، هذا المواطن الذي أمدته هذه الأرض بلغة واحدة ودين واحد، وسرت في عروقه دماء واحدة، لا يفهم كيف يتم الصمت والعجز أمام هذا العدوان الخارجي الذي يستهدفه، وهو يفهم كيف تسكت هذه القوى الغازية على فظائع وجرائم تدور في بلد عربي آخر يموت فيه الناس أطفالاً وشيوخاً، نساء وشباباً تحت طائلة الفظائع الإسرائيلية في فلسطين، وهم يرون آلة هذا الغزو تمدهم بالمعدات وبالآلة التي تحصد أرواح الناس في فلسطين، ويدعمونهم بالمال (آخر هذا السيل من الدعم عشرات المليارات).
هذا المواطن العربي البسيط، لا يجد مبرراً لسكوت أصحاب القرار في بلدانهم، على هذا العدوان الذي يستهدف بلدانهم وشعوبهم، هذا المواطن يرى أن الفرصة التاريخية - ربما - لا تزال سانحة ليقول من بيدهم القرار لهذه القوى العاتية الغازية. لا.. لا للانحياز معكم.
وهذا المواطن العربي، لا يستطيع أن يفهم كلام هؤلاء الغزاة، الذي يقولون انهم جاءوا ليحرروا العراق. يحرروه من من؟! الذي يحرر البلدان ابناؤها وليس الغزاة من الخارج. هذا المواطن تستفزه تصريحات قادة الغزو، في وصفهم لابناء البلدان في العراق الذين يدافعون عن بلدانهم، بانهم «ارهابيون».
هذا هو الفهم البسيط للمواطن العربي، لمجريات الأحوال التي تتم الآن في العراق، ويزداد شعوره بالألم والكره لهؤلاء القادمين الغزاة، وهو يرى المئات من الضحايا من أبناء هذا البلد تدوسهم جنازير الدبابات وتقطعهم أشلاء، ويرى القنابل الحارقة تهدم منازلهم وتحرق اجسادهم.
ولا يزال المواطن العربي، لا يفهم معنى أن يصدر القادة العرب قراراً يلزمهم بعدم الاشتراك في الحرب ضد العراق، بينما تفتح بعض البلدان العربية أراضيها ومجالها لتكون مسرحاً تنطلق منه القاذفات ويتم منحها كل التسهيلات «اللوجستية» يفهم المواطن العربي هذا الأمر على أنه مشاركة فعالة في العدوان.
تعود مرجعية المخططات الأمريكية لإعادة صياغة جغرافية البلاد العربية السياسية، ضمن باب مهم في الفكر السياسي الاستراتيجي الأمريكي، اعيدت صياغته مع بداية السبعينيات من القرن الماضي وعجل بتنفيذه، ضمن مبررات مواجهة افرازات احداث سبتمبر 2001 حيث كانت ادارة امبراطورية ما وراء المحيطات، تعتقد على الدوام أن ذراعها هي، تمتد فيما وراء المحيطات، وهكذا كان تاريخها، لكن «العولمة» التي صنعتها خلقت ذراعاً تمتد بالاتجاه المعاكس، حيث اجتازت المحيطات و«قرقعت» أصابعها على اليابس الآمن المحاط بمانع المحيط الأبعد.
منذ أن وضع «كسينجر» صاحب الذهنية الصهوينية اليهودية، الخطوط العريضة لهذا الفكر، خصوصا بعد مفرزات حرب أكتوبر 1973. والتي أثبتت لأول مرة أن الأمة العربية في عصرها الراهن، لديها قوة يمكن أن تستخدمها كرافد للعنصر البشري الذي أظهر بسالة في الحرب، وهزم الجيش الإسرائيلي، فلا يزال البترول برغم الدعاية المحمومة المنظمة التي أعقبت تلك الحرب، يشكل اغراء لشن الحروب، بينما يبرر السياسي أنه سلاح ليس له أهمية، فيما لو استخدم لاغراض الضغط السياسي أو العسكري، لان مجاله اقتصادي وأول المتضررين منه هم أصحابه المستفيدون مباشرة من عائداته، ثم الحملة العلمية للبحث عن بدائل تقلل من أهمية البترول كمصدر للطاقة، وكل هذه الدعاوى، تتهاوى أمام مبررات الزحف الأمريكي نحو المنطقة التي تشكل أكبر مستودع للبترول - حتى الآن - في العالم، وكما هو معروف، فإن احتياطي الولايات المتحدة من البترول، ليس له عمر، بل انه يلفظ آخر آنفاسه، وأن قطاعات الإنتاج الكبرى لديها تستهلك ما تخزنه، وما تستورده من الخارج.
الأجندة الأمريكية، فيما يتعلق بالبترول في المنطقة، تبدأ منذ وصول «لويد هاملتون» المستثمر الأمريكي، في مجال البترول وبصحبته عالم التعدين «كارل توتشل» ممثلين لشركة «استاندرد أويل كومبني أوف كاليفورينا» إلى مدينة جدة في منتصف فبراير 1932 لاجراء مباحثات للحصول على امتيازات النفط، الذي كان قد اكتشف بكميات تجارية في البحرين عام 1932. فيما كان قد سبقهم «سانت جون فيلبي » الذي كان قد اشهر اسلامه عام 1930، وتعززت ثقة رجل الجزيرة العربية القوي الملك عبد العزيز آل سعود به كانت تباشير النفط في المنطقة قد بدأت منذ وقت مبكر في الأراضي الإيرانية على الحدود العراقية الإيرانية، حيث حصلت شركة انجليزية على أول امتياز لها في منتصف عام 1901. وتم اكتشاف البترول في وقت لاحق في المناطق العراقية. قاد «فيلبي» والذي كان قد أسس له شركة تجارية في جدة، هي «الشركة الشرقية العربية» بعد أن استقال من العمل السياسي مع حكومة بلاده، لتعارض أفكاره التي بدأت تتحول في مصلحة الدول العربية، ومناداته بمنحها حق الاستقلال، واقامة علاقات قوية معها بدلاً من استعمارها، وأصبح عربياً أكثر من كونه انجليزياً يعتمر الملابس العربية، إلى كونه أصبح مسلماً، وتزوج من إمرأة مسلمة انجبت له أبناء وله جنسيته العربية السعودية. وعن طريق شركته ساهم في تمكين الأمريكيين من الحصول على حق امتياز انتاج النفط في الأراضي السعودية. خصوصاً بعد أن رفض أهله البريطانيون، الدخول في هذا المجال حيث كانت معلوماتهم تفيد بعدم وجود أي بوادر لوجود النفط في هذه المنطقة، ويبدو أنه منذ ذلك التاريخ، بدأ وهج السياسة البريطانية ووجودها التقليدي مرشحاً للانحسار، إذ أن جيلاً من عمالقة العمل السياسي العسكري في المنطقة، بدأ يغيب عن الصورة وان العمل السياسي كان يفتقد إلى مخططين اقتصاديين على مستوى مخططي السياسة في المنطقة. فظهر الأمريكيون الذين لم يكن لهم وجود سياسي مؤثر في منطقة الشرق الأوسط بكاملها في ذلك الوقت، مما أصبح فيما بعد طريقة أمريكية معروفة، المصالح الاقتصادية تقود العمل السياسي، السياسة تحمي المصالح. وحينما تم توقيع عقد الشركات الأمريكية مع الحكومة السعودية في عام 1933، ومع بدء تدفق النفط في عام 1938 أخذ العمل السياسي المبادرة، ولم يكن لأمريكا حينذاك تمثيل سياسي مباشر في السعودية، حتى عام 1942، حينما عينت في ذلك الوقت قائماً بالأعمال في جدة.
في هذه الزيارة السريعة للخلفية التاريخية، يتضح أن المصالح الأمريكية أولاً وأخيراً فوق كل مصالح. وبالطبع فإن هذه المعطيات التاريخية، موجودة في ملفات دول المنطقة، وتحت أيدي أصحاب القرار، ولم تكن المساعدات الأمريكية الخارجية، في حقبة من الحقبات، تنتهج نهجاً انسانياً أو لانعاش مشاريع التنمية، وإن كانت تغلف معطياتها ومسبباتها بهذه الفحوى، إنها كانت على النقيض من ذلك، ترتبط بالسيطرة وتخفي في مضمونها دوافع الهيمنة، والضغط على أصحاب القرار، في مناطق النفوذ والمصالح لتغير توجيهات القرار، ليمضي في ركب السياسة الأمريكية، ويدور في فلكها، وآخر مثال فج لميكنة هذه المساعدات، ما أعلنته دوائر القرار السياسي الأمريكي، في أعقاب الحكم القضائي الصادر في مصر، بحق الدكتور سعد الدين إبراهيم، وتلويحها باعادة النظر في المساعدات الممنوحة لمصر، وهذا الاجراء أبعد ما يمكن أن يتصوره أي مراقب في هذا الشأن، لقد مضى تفكير السياسة الأمريكية إلى أبعد ما يكون، إلى التدخل في شؤون القضاء، وتوجيه قراراته وفق ما تراه، في مناطق لا تدخل في سلطة دوائر القضاء الأمريكي، «تم الافراج مؤخراً عن سعد الدين إبراهيم وفق اجراءات قضائية أخرى» ومثله المطالبة بتغيير المناهج الدراسية في المدارس العربية. في ظل السياسة الحالية الأمريكية التي يقودها وبشكل لم يحدث من قبل، حيث ينفرد رئيس الولايات المتحدة، باصدار القرارات ويبدو شبيهاً بأولئك الذين حكموا في فترات تاريخية، وانهارت في عهدهم دولهم، وحكوماتهم، لقد وضع «بوش» في دوائر صنع القرار، ثُلة من العسكريين، مما جعل مصادر القرار تخضع لفكر العسكريين، وليس للفكر السياسي، فضلاً عن أنهم جميعاً من أصحاب النفوذ في مجال الثروة والأعمال.
وهكذا فإن برنامج المساعدات والائتمانات المالية، التي عجلت الإدارة الأمريكية بانفاذها، أثناء فترة الغزو الأنجلو أمريكي للعراق، لدول الحزام الأمني مثل تركيا والأردن ومصر واسرائيل، يفضي إلى نفس التفسير السابق ألا وهو المصالح المباشرة، وها هو الرئيس الأمريكي يطلب ميزانية قدرها 75 مليار دولار، لأعباء الحرب تتضمن جزءاً من المساعدات، التي سوف تقدم لعديد من الدول، نظير شراء سكوتها عن جرائم الحرب، كل ذلك في سبيل أن تمتد أذرع الامبراطورية الأمريكية إلى أبعد مدى وأن تسيطر وتتحكم على ما تسميه مصالحها الحيوية.
فمن الثوابت في السياسة الأمريكية، أن مصادر الطاقة في أي مكان من العالم يجب ألا تكون بمنأى عن يدها، لابد أن تظل تحت سيطرتها ووفق ما توجهه، وأول هذه الوجهات مصلحتها بالدرجة الأولى، وهي تنفذ سياستها تلك، فهي تلميذ سيء للسياسة البريطانية في المنطقة، في القرون القريبة الماضية، كانت السياسة البريطانية تهدف إلى السيطرة على المناطق الحيوية التي تؤمن الاتصال بمستعمراتها المترامية الأطراف، وكانت تحكم سيطرتها على ا لسواحل والبحار وموانئها، وكان يخدم في بلاطها جيل متمرس تدرب على العمل في تلك المناطق، وعاش حياة الناس في تلك البلدان أمثال «لويس بلي» و«بيرسي كوكس» و«جيرترد بل» و«فيلبي» و«لورنس» و«ديكسون»، لقد كان أفقه الساسة الأمريكيين «هنري كيسنجر» الألماني اليهودي الأصل، الذي لم تطأ قدماه المنطقة، فيما كان يوجه سياسة أمريكا، إلا في أعقاب حرب أكتوبر 1973. بينما كان أصحاب المال والشركات في أمريكا أفقه من السياسيين، الذين يوجهون سياستها، لقد كانت آخر مهازل السياسة الأمريكية. تلك المبادرة التي أعلنها وزير الخارجية الأمريكي «كولن باول»- وهو رجل عسكري - بما أسمته المبادرة الأمريكية لتحديث البلدان العربية، ومساعدتها في تطوير برامجها في مجال التنمية، ودفعها نحو الديمقراطية. ولأنني لست معنياً هنا بتحليل ما جاء في تلك المبادرة ودوافعها، التي اعتادت عليها الإدارة الأمريكية، في أعقاب كل أزمة تخوضها في المنطقة، لكن أبلغ رد يمكن أن يقال عنها، هو أن الدول العربية لو ترك لها خيار الديمقراطية، وطبقتها بالمفهوم السياسي والعلمي، لا كما تراه أمريكا التي تفتقد تطبيقها في ادارة حكمها، لما أمكن لأمريكا أن تتدخل وبهذا التصرف السافر في شؤون المنطقة، ولوجد من يقول لها علناً لا.
لقد نجحت بريطانيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى، في تشكيل خارطة البلدان العربية، في موالاتها حيناً للقوى السياسية العربية الحاكمة، عن طريق دفعهم للتحرر من قبضة الأتراك الذين كانوا في حزب ألمانيا، نكاية في الانجليز الذين يفرضون حمايتهم واستعمارهم للبلدان العربية التي تعتبرها تركيا ولايات تابعة لها، ودعوتهم الظاهرية لنيل التحرر، الذي لم يحوزوه حينما تبعثرت الممالك التركية. وعندما سقطت «القدس» عام 1916 في يد البريطانيين، كان العرب يباركون ذلك في أمل ساذج أن يتسلموا مفاتيحها، وهو الأمر الذي لم يتم ، بل سلمت إلى أيدي الصهاينة اليهود، ليدرأ البريطانيون خطرهم الداهم عليهم، بل ان الاستعمار البريطاني ظل يجثم على كاهل هذه الأمة أمداً من الزمن حتى منتصف القرن الماضي.
وها هي سياسة الولايات الأمريكية، تسفر عن وجهها الاستعماري مجدداً، لترث مستعمرها الأول ومستعمر البلاد العربية، إنها تسلك الطريق نفسه، الذي سلكته من قبل جحافل جيش التتار الغزاة، الذين بدأو من أفغانستان، فلم تكن أفغانستان هي الهدف إنها نقطة البداية نحو اجتياح الشرق، كما فعل جيش التتار، ولسوف ترمي في مياه الفرات جثث الناس، فكما اسودت مياه الفرات بحبر تراث هذه الأمة في اجتياز التتار، ولانه لم يعد لدينا تراث بذلك الحجم، فإن المياه ستتلون بدماء الناس.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved