إذا لم يكن عضو الكونجرس الأمريكي المخضرم دانيال باتريك موينيهان قد مات الأسبوع الماضي، فربما كان قد مات من الارتباك. وهذا الارتباك قد لا يكون بسبب ما تفعله بلاده في العراق ولكن بسبب ما يقولوه قادة هذه البلاد عما يفعلونه في العراق. فقد كان هذا الرجل الذي ظل عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك لسنوات طويلة، من رجال المبادئ ومن بين هذه المبادئ كان القانون الدولي.
ففي عام 1990 كتب الرجل يقول إنه لا يوجد أي شيء خطير سقط من عقل الأمريكيين أخطر من سقوط فكرة القانون الدولي، وقد كانت النماذج الصارخة على هذه الحالة هي سلسلة المغامرات العسكرية الأمريكية في أمريكا اللاتينية خلال ثمانينيات القرن العشرين.
ولكن عندما يصل الأمر إلى القانون الدولي فإن تجاهل الولايات المتحدة له يصبح أمرا مثيرا للشكوك، وحتى عندما صدر كتاب موينيهان الذي حمل عنوان «في قانون الأمم» كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب يبرر حربه ضد العراق عام 1991 على أساس أن العراق قام بغزو الكويت وهو انتهاكا للقانون الدولي.
وفي هذا التوقيت لم يكن هناك أي كلام عن نشر الديموقراطية وحقوق الإنسان بين الدول ولكن التركيز كان منصبا على انتهاك الحدود الدولية لدولة ذات سيادة. لذلك فقد كان المبرر لطرد الغزاة خارج الكويت هو تطبيق القانون الدولي المتعلق بالحدود بغض النظر عن نوع الحكومة التي تحمي هذه الحدود.
ولكن عندما جاء الدور على الحرب الأمريكية الثانية ضد العراق الآن نسي الأمريكيون، نعم بالفعل نسوا القانون الدولي، وعندما رفض مجلس الأمن الدولي أن يتحول إلى دمية في يد أمريكا ويؤيد هذه الحرب.. قال المسئولون الأمريكيون إن هذه الحرب مبررة في ضوء قانون السيادة الأمريكية والدفاع عن النفس ضد الخطر المحتمل لأسلحة الدمار الشامل المزعومة لدى العراق ومبررة في ضوء موقف حقوق الإنسان العراقي وبالأمل في نشر الديموقراطية في منطقة الشرق الأوسط من خلال الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين.
نحن كأمريكيين انتهكنا اتفاقيات جنيف المنظمة لمعاملة أسرى الحرب بالطريقة التي عاملنا بها أسرى الحرب الأفغانية منذ أكثر من عام وحتى الآن بعد سجنهم في قاعدة جوانتانامو المعزولة وبررنا هذا - وحتى نزيد من غضب الآخرين- بكلمات من نوعية «لا تكن ساذجا» التي تم استخدامها أيضا لتجاهل مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بالعراق.
لذلك لماذا نرفع الآن شعار القانون الدولي؟ ولماذا نهتم به؟ نهتم به الآن لأننا نريد أن تتم معاملة جنودنا الذين وقعوا في الأسر بطرقة جيدة. كما أننا نهتم بهذا أيضا بسبب قيمة السلاح الإعلامي في المعركة الدائرة حاليا بالعراق. فالقانون الدولي يمكن أن يساعد مسئولي الإدارة الأمريكية من خلال التشبث ببعض المظاهر التي تحكم الحرب ولكن للأسف لا توجد شرطة يمكنها تطبيق هذا القانون الدولي بحيث يجبر القوة العظمى في العالم على احترامه من ناحيتها، إذا كانت الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم قد لا تحتاج إلى القانون الدولي بصورة أقل من غيرها من دول العالم، فهي تستطيع حماية مصالحها باستخدام القوة إذا أرادت أو إذا رأت أنه لا توجد وسيلة أخرى للدفاع عن هذه المصالح، ولكن ما لا تستطيع أمريكا أن تفعله هو السخرية من القانون الدولي في لحظة معينة ثم العودة مرة أخرى للحديث عنه والدعوة إلى التزام الآخرين به في اللحظة التالية. كما أن أمريكا لا تستطيع انتقاء المعاهدات الدولية التي تريد تطبيقها وتجاهل معاهدات أخرى رغم توقيعها على جميع الاتفاقيات وفي نفس الوقت لا تنتظر من الدول الأخرى هذا التطبيق الانتقائي للمعاهدات الدولية. فالحقيقة أن قوة القانون الدولي مستمدة من احترام جميع دول العالم له خاصة وانه لا توجد كما ذكرنا قوة شرطة تتولى الإشراف على تطبيقه، لذلك فإن التزام هذه الدول به تزيد من قوة القانون الدولي وفي نفس الوقت فإن تجاهله أو انتهاكه كما تفعل الولايات المتحدة يقلل من قوته بصورة كبيرة ربما تصل إلى انعدام قدرة أمريكا على استدعائه مرة أخرى عندما تحتاج إليه.
* «واشنطن بوست»
|