قبل أن تبدأ الحرب مباشرة أبدى جيمس شتينبيرج، مدير معهد بروكنجز للدراسات بواشنطن، أبدى ملحوظة تبدو الآن وكأنها كانت تتمتع بنفاذ بصيرة استشرافي ، فقد أشار شتينبيرج بنبرة متشككة إلى «الافتراضات» التي تنتشر بين المخططين العسكريين الأمريكيين، والتي تقول إنه لن يقاتل من العراقيين إلا القليل، فقد علق قائلا آنذاك : «فقط القليل من الجيوش تلك التي تذهب إلى ساحات القتال وهي تتوقع ذلك التوقع شبه الجازم بأن الطرف الآخر ربما يبدل مكانه وينضم لصفوف القوات الأخرى».
وقد تبدد هذا التوقع من الجانب الأمريكي بصورة كاملة، فلم يستسلم من الجنود العراقيين سوى العدد القليل، و كان هناك القليل للغاية من المدنيين العراقيين الذين ابتهجوا بقدوم «محرريهم».
فقد استغرق الاستيلاء على مدينة أم قصر خمسة أيام منذ بداية الحرب، وأم قصر هي مدينة صحراوية ومبانيها من طابق واحد ولا يزيد عدد سكانها على خمسة آلاف نسمة، فكم يا ترى سيستغرقه الاستيلاء على بغداد وإخضاعها بصورة كاملة، تلك المدينة التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، ولديها دفاعات متقدمة نسبيا من أفراد الحرس الجمهوري والحرس الخاص المدربون بصفة خاصة على حرب الشوارع، وهذا لا يعني أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة لن ينتصر في النهاية في هذه الحرب، فإن كفة الأسلحة الأمريكية وكل الأسلحة التقنية المتقدمة الأخرى لا يمكن تجاهلها في النهاية، ولكن هذا يعني أن الولايات المتحدة الآن في خطر حقيقي من أنها سوف تفقد السلام.
وكانت أهم تلك الخطوات في اتجاه الطريق الطويل والصعب حتى في أفضل الظروف تجاه سلام ناجح في العراق كما كان يراد به هو أن يكون هناك نصر عسكري سريع،مع وقوع القليل من الضحايا بين المدنيين، فكان يمكن أن يؤدي ذلك إلى تشجيع الشعب العراقي إلى أن يقوم بالانتقال إلى الجانب المنتصر، مما كان سيؤدي إلى تقليل حجم الغضب في «الشارع» العربي.
ولكي يصل البنتاجون إلى ذلك النصر السريع قام بالاندفاع في خضم العديد من المخاطر العسكرية، فقد هرعت الدبابات مهرولة باتجاه بغداد، في الوقت الذي خلفوا وراءهم خطا طويلا من خطوط الإمدادات، ولكن بالطبع يسهل اختراقه،أصبح من الواضح الآن أن غالبية العراقيين أصبح لا نية لديهم «لمبادلة أماكنهم»والذهاب في صفوف الأمريكيين، والسبب الرئيس في ذلك ليس الخوف من صدام، ولكن الحس الوطني، وأيضا ما سيتلو ذلك وهو أن الحس الديني سوف يؤدي إلى حث المزيدمن الشهداء للدفاع عن العراق،وقد خلق القتال في أم قصر حالة من الشعور بالمعجزة، وذلك لأن أم قصر قد كانت تقاتل بقوات محلية، والتوقعات كانت تشير إلى أنها لا أمل لها وذلك لأن المدينة معزولة تماما، وقد أثبت القتال في «الناصرية» أنه كان الأشرس مع الأمريكيين على الإطلاق،بعد أن تم أسر بعضهم وأسقط الفلاحون طائرة مروحية واحدة على الأقل، أما في مدينة البصرة في الجنوب، والتي لم يدخلها الأمريكيون والبريطانيون من أجل تقليل عدد الخسائر في صفوفهم وفي صفوف المدنيين على حد سواء، فقد أدى نقص المياه والطاقة إلى التهديد بحدوث كارثة إنسانية، وكان يمكن تلافي ذلك ولكن عن طريق شن هجوم شامل ولكنه بالطبع كان سيوقع العديد من القتلى على نطاق كبير.
والأكثر من ذلك أن التوقعات أصبحت تشير الآن إلى أن بغداد ربما تصبح النسخة العصرية من مدينة ستالينجراد الروسية، والتي كانت ساحة لملحمة من قتال المدن في الحرب العالمية الثانية.
أما من الناحية الأخلاقية لهذه الحرب فقد كان دائما ما يتوقع أن تؤدي الحرب إلى حالة من الهياج والثورة أولا بين العراقيين، ثم بين العرب بعد ذلك،وذلك بسبب مصطلحات تغيير المنطقة بعد إعادة إعمار العراق وإحلال الديموقراطية بعد الحرب، ولكن بدلا من ذلك فربما يؤدي ذلك الشعور بالغضب والثورة إلى إدراك العراقيين والعرب بأن أداءهم في هذه الحرب قد أصبح يعني أنهم لم يقدر عليهم للأبد أن يهزموا بسهولة وأن يكونوا دائما هم الخاسرين، أو أن يكونوا دائما هم المهانون، وبالتالي سوف يخرجون من هذه الحرب باحترام للذات وباحترام العالم الخارجي لهم،
«تورنتو ستار» الكندية
|