الإشاعة ككرة الثلج كلما تدحرجت ازدادت حجماً وضخامة وخطورة وكثيراً ما تنتشر الإشاعات في الأزمات، وتجدها بيئة مناسبة لها في النمو والانتشار.
ان من يروجون للإشاعات كثيراً ما تجدهم يتصفون بصفات نفسية خاصة أو حتى مرضية، فقد يطلق البعض قصة مختلقة ليرى رد فعل الآخرين تجاهها.
فالإنسان الذي يشعر بالخوف ولا يستطيع التعبير عن هذا الخوف مثلاً إلى أصدقائه أو معارفه حتى لا ينعته أحد بالضعف أو الجبن يلجأ إلى أن يروي قصة أو يحاول إشاعتها حيث يقول مثلاً: سمعت كذا أو كذا أو نقل لي أحد الأصدقاء كذا أو كذا ويرى تأثير ما يذكره على الآخرين، وهل هم يشعرون بالخوف مثله أم لا؟
المشكلة ان الإشاعات لم تعد تنحصر في النساء فقط اللائي اعتدن على تبادل الأخبار والحديث أطول فترة ممكنة، بل أصبح الكثير من الرجال للأسف مصدراً مهماً للإشاعات من خلال ما يمارسونه من مهام في نقل الإشاعات والترويج لها دون ان يشعروا. وسأروي قصة حصلت لأحد الأصدقاء ورواها لي شخصياً يقول صاحبنا: عندما كنت أسير في أحد الطرق شاهدت سيارة صغيرة تنحرف في الطريق بعد انفجار احد إطاراتها وتنقلب، والحمد لله ان السائق وعائلته المكونة من ستة اشخاص من نساء واطفال لم يحدث لهم أي مكروه، وقد رويت هذه القصة لأحد أصدقائي عندما قابلته. المهم لم يمر على هذه القصة سوى يومين واذا بأحد الأصدقاء يرويها لي نقلاً عن صاحبي السابق، تصوروا كيف تغيرت الأحداث بعد أن تناقلها أكثر من شخص فإطار السيارة الذي انفجر تحول إلى الاطارين والأماميين بالتحديد!!
السائق وزوجته تحولا إلى العناية المركزة وباقي أفراد الأسرة توفوا جميعاً ولم ينج الا طفل واحد فقط عمره لا يتجاوز ستة أشهر.. المهم الذي نقل القصة إلى صاحبنا هذا أظهر مزيداً من الشجاعة فقام بنقل الأب والأم إلى العناية المركزة أما باقي الأسرة فقد كانت حالتهم سيئة حيث فارقوا الحياة ولم يعد نقلهم يجدي!!
وقد وجد «المنقذ البطل» الذي روى هذه القصة مشكلة كبيرة عندما هم بنقل الأب والأم اللذين كانا مصابين حيث كان الطفل الوحيد الذي لم يصب يبكي ولا يعلم عنوانا لأهله حيث ذكر أنه بقي معه خارج غرفة العناية المركزة في المستشفى ساعات طويلة ولم يسكت الطفل حتى فكر هذا «المنقذ والبطل المغوار» في أن يحضر زوجته لإرضاع الطفل ومن المصادفة أن له ابناً لم يتجاوز أربعة أشهر وشارك هذا الطفل الصغير في حليب الأم.
تصوروا هذه القصة كيف تتحول إلى هذا السيناريو؟!
فمن انقلاب سيارة لم يتعرض أي شخص فيها إلى أذى إلى قصة طويلة ومصابين ومتوفين وطفل رضيع جائع لم يجد من يهتم به.. قصة خيالية محبوكة تعطي مساحات أكبر من الاهتمام والاصغاء!!
ان البشر يختلفون في تلقيهم المعلومة فهناك من يتلقى القصة أو الخبر بشكل عادي جداً جداً فلا يتفاعل معها رغم أحداثها المثيرة.
وهناك من يتلقى القصة بشكل واقعي، وهناك من يتلقى القصة فيتفاعل معها، ويحاول أن ينقلها إلى غيره من الناس بعد أن يضيف لها الرتوش والمحسنات والمواقف المثيرة فهل يعقل أن ينقل قصة غير مثيرة؟!
ان قناعته بأهمية إصغاء الآخرين له تستلزم إضافة بعض الجوانب المثيرة في القصة مما يجعله ينقلها إلى أشخاص يحملون نفس صفاته فيزيدون عليها من خيالاتهم حتى تصبح القصة مأساة إنسانية كبيرة.
هكذا هي الاشاعة وهي من الخطورة مما يستدعي منا الانتباه لما يحيكه الأعداء والحاسدون لنا، اننا في وقت وظروف تستلزم منا التكاتف لا نشر الاشاعات المغرضة التي تشتت ولا تجمع وتثير الفتن والخوف.. إن على كل فرد منا أن يساهم في حماية وطنه من الداخل أولاً فليس شرطاً أن يكون رجل أمن ليساهم في تحقيق الأمن والحفاظ عليه، بل ليفكر كثيرا عندما يتناول بعض الجوانب التي لا تفيد إلا الأعداء فقط.
لقد اثبت المواطن السعودي أنه قادر على تجاوز العديد من المحن والأزمات، والوقوف سداً منيعاً أمام من يحاول النيل من هذه البلاد الطاهرة.
لنقف سداً منيعاً أمام الإشاعات التي إن لم تضر فلن تفيد أبداً سواء كان ذلك في محيط العمل أو في حياتنا العامة ومن خلال أي وسيلة من الوسائل أو بأي أسلوب من الأساليب.
حمى الله هذا الوطن وأبناءه من كل مكروه إنه سميع مجيب.
ص.ب 86923 الرياض 11632
|