لا أستطيع في مقالاتي أن أتحدث عن الولايات المتحدة ككتلة واحدة متشابهة، عندما يتعلق الحديث عما يجري في المنطقة الخانعة لمنطق الحرب، لا نستطيع أن نلغي التعددية الحضارية الشاسعة التي تمثلها الولايات المتحدة ونختصرها في هذا الشكل الإمبريالي البشع الذي نراه فوق وجوه جنودها وبارجاتها وقنابلها الجديدة التي تستعد لتفجيرها في المنطقة..
لذا دائماً ما ألجأ في مقالتي للتعبير عن ذلك «بالمؤسسة العسكرية الأمريكية» لكي أفصلها تماماً عن جميع الحركات الإنسانية والمناهضة للحرب في الولايات المتحدة، وأعتقد بأن هذا الفصل يجب أن يتضح في أذهاننا وبصورة جلية قبل أن تحوله الحرب إلى «لغم عقائدي ديني» قد تعانيه المنطقة لدهور طويلة.
وأعتقد بأن هذا الفصل الحاسم بين الولايات المتحدة كمنجز حضاري ودستور يسعى إلى المحافظة على الحرية ويحميها وبين الشركات العابرة للقارات والممولة للمؤسسة العسكرية، هو فصل حاسم يجب أن نتعامل معه بوعي وبحذر ونفرق بين الاثنين بصورة واضحة.الغريب في الأمر هنا أن المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة والمسيطرة على القرار السياسي هناك عاجزة عن أن تصل إلى هذا الفصل الحاسم على الرغم من شعارات الحرية والديمقراطية التي تلوح بها، فاليمين الأمريكي المتصهين والمسيطر على القرار السياسي، وقع في فخ التعميم والشمول، وهو الفخ الذي يترصد بجميع الأنظمة الديكتاتورية والمتسلطة، فهو من ناحية قسم العالم إلى محاور للخير ومحاور للشر، ذلك الشر «في اعتقادهم» لا يشبه المؤسسة العسكرية ولا يرضخ لطموحاتها التوسعية، وهو الذي يقود حملة إعلامية شرسة ضد السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بشكل شمولي ومنقطع عن واقعه، وتغفل أن الإرهاب هو لوثة عالمية ابتداء من «تيموثي مكفاي» انتهاء بالقنابل المرعبة التي كانت تزيل قرى بأكملها عن وجه الأرض في أفغانستان، كما أن طالبان والقاعدة هما صناعة المخابرات الأمريكية أيام الحرب الباردة، ومحاولة التخلص من هذا العار ولصقه بالمنطقة أو مناهجها أو توجهاتها لا ينطلق سوى من عقلية عسكرية ضحلة ومحدودة وتمتلك أطماعها في المنطقة..
وكما أن أمريكا ليست قط تلك المؤسسة العسكرية المتوحشة التي تجوب المنطقة، فهي أمريكا المنجز الحضاري والإنساني والتقني، فكذلك يجب على المؤسسة العسكرية الأمريكية أن تعي بأن السعودية ليست خمسة عشر مغامراً شاركوا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
e-mail:omaimakhamis.yahoo.com
|