في مسيرة الإنسان الدنيوية وقفات مع النفس وتساؤلات حول ما يتعرض له من أحداث ومواقف وقبل أيام ارتحل والدي رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وتوافد المعزون وتقاطر المشيعون وتكاثر المتصلون وبدت صورة مشرقة لمجتمع الخير والمحبة لمجتمع التواصل والتلاحم لمجتمع ذكرني بقول الشاعر الأموي:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم
إذا جمعتنا يا جرير المجامع
إي والله إنه مجتمع أشعرني بأن الوطن كله معنا في مصابنا وأنه مع قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
لقد تداعى أحبة من جيزان والباحة وإخوة من مكة وتبوك وأصدقاء في القصيم والجوف ورفاق في الشرقية وفي كل منطقة من مناطق المملكة يواسون ويعزون بالمهاتفة والمراسلة وبادر المتواجدون في الرياض يجسدون العواطف الكريمة فتزاحم المصلون وتوافد المعزون واختلط الأمراء بالأقارب والعلماء بالأصدقاء والوزراء بالأصحاب الكل يدعو ويترحم عيون فيها المودة والصدق ووجوه عليها الأصالة والوفاء وكلمات بها المحبة والرقة.
ولقد تمنيت لو أني شاعر وأنظم فيهم قصائدي ووددت لو كنت فناناً وأقصر عليهم ريشتي وبعد انتهاء العزاء بتُّ استعيد صور الحاضرين وأستذكر كلمات الداعين وأستحضر مواقف المعزين وأضحيت أعود لكل واحد من هؤلاء الأحبة أتخيل صورته وأرد له الدعاء بأجزل منه والشكر بأوفى منه وأكثر.
إن هؤلاء هم قومي الذين بهم أفخر ولهم أدعو وبهم تتجلى صورة من صور المجتمع السعودي الذي تربى وفق شرع الله ومنهجه وامتزجت بدمائه أخلاق الإسلام وسجايا الإيمان فجاء ينشد الأجر ويحيي السُّنة وهذا هو ديننا الذي علمنا كل فضيلة وأرشدنا لكل منقبة فكانت هذه الأخلاق بارك الله لهم وفيهم وجزى الله كل واحد منهم خير الجزاء وأوفاه ورحم الله والدي وأسكنه فسيح جناته، وبعد ألا يحق لي أن أفخر وأقول للعالم أجمع «أولئك قومي فجئني بمثلهم وذلك مجتمعي فاعطني مثله».
(*) عضو مجلس الشورى
|