اجتماع الكلمة، والتئام الشمل، واتحاد الصف، واستقرار المجتمع نعم عظيمة تستحق من اصحابها الشكر المتواصل لله عز وجل، والحرص الاكيد على بذل كل الوسائل والاسباب لحفظ هذه النعم، ورعايتها، ودفع كل من يريد ان ينزعها من اهلها.
ولعل المشكلة عند كثير من اصحاب النعم انهم يستمرئونها، ويتعودون عليها حتى إنهم لا يشعرون بقيمتها - احياناً - ، ولربما ذهبت بهم الغفلة عن هذه النعم الى الاستماع الى بعض الاصوات الحاقدة او الحاسدة التي تشوه بعض معالمها، وتحرص على ابراز السلبيات والاخطاء وتضخيمها بصورة تعمي ابصار بعض اهل هذه النعم عن الجانب الايجابي المشرق في حياتهم، حيث يميلون الى تلك الاصوات الحاقدة، ويظنون ان الاستجابة لها هي الطريق الامثل للتخلص من بعض الاخطاء والسلبيات التي لا يخلو منها مجتمع بشري.
وهناك مشكلة اخرى تكمن في سيطرة «العاطفة» على بعض الغيورين سيطرةً تبعدهم عن الموضوعية في المعالجة والتصحيح، والحكمة في الاصلاح والتوجيه، وتصرف انظارهم عن القيمة العظمى لنعمة اجتماع الكلمة والتئام الشمل واستقرار المجتمع، وعن الخطورة الكبرى المترتبة على الفرقة والخلاف خاصةً في اوقات الازمات. وهنالك مشكلة ذات بعد اخر تكمن في اغترار اصحاب النعم بها، وانسياقهم بسببها، وراء الشهوات والرغبات واساليب المتعة المباحة وغير المباحة، والبطر بهذه النعم بطراً يوقع اصحابه في الغفلة عن شكر المنعم عز وجل، وفي التفريط في طاعته وعبادته، او التقصير فيهما، وفي ما ينتج عن ذلك من موت الضمير، وجمود الاحساس، وانغلاق القلب امام النصيحة والموعظة الحسنة.
ولاشك ان هذه المشكلات خطيرة، وقادرة - اذا وقعت - على تمزيق الكلمة ونشر عوامل الفرقة في الجسد الواحد، ومن هنا تكون المسؤولية كبيرة على اصحاب الرأي والمشورة، واصحاب القرار السياسي، وعامة الناس في الحرص على تقوية عوامل اجتماع الكلمة، والمواجهة القوية الحكيمة لكل محاولة تهدف الى النيل منها،
ونحن هنا في هذه البلاد الطيبة المباركة - حفظها الله من مكائد اهل الكيد - نحظى - بحمد الله - بنعمة «الجسد الواحد» الذي تجتمع فيه الكلمة، ويلتئم الشمل، ويتحد الصف، كما نحظى باستقرار المجتمع الذي يستضيء بنور الشرع الحكيم، وهذه النعم العظيمة جديرة بأن نكون مخلصين في شكر الله الذي انعم بها علينا، وفي حسن التوجه اليه بالعبادة والطاعة والدعاء، حتى نحافظ عليها، ونسعى - بما نستطيع - الى تحقيقها لكل بلد مسلم يحتاج الى اجتماع كلمته وتوحيد صفه.
ومن عوامل الحفاظ على هذه النعم السعي الجاد الى تصحيح ما يقع من اخطاء، وإزالة ما يحدث من آثار التفريط في طاعة الله سبحانه وتعالى وعبادته، والحرص على المحافظة على مظاهر تطبيق شرع الله في جوانب حياتنا المختلفة سياسياً وفكرياً واجتماعياً وتربوياً وتعليمياً، وعدم الإصغاء الى نداءات المرجفين، ودعوات المغرضين الذين يسعون سعياً حثيثاً في طريق التضخيم والتهويل لما يرونه من سلبيات او ثغرات او اخطاء في حياتنا.
نحن لسنا ملائكة، فنحن بشر نخطئ ونصيب، ولذلك فلا يصح لنا ان ندعي الكمال، او ننفي وجود اخطاء وثغرات، كما لا يصح لنا - ايضاً - ان نكون ساذجين في الاستماع الى آراء المغرضين الذين يتجاهلون كل صواب وخير وفضيلة في مجتمعنا ويركزون - بصورة فجة - على جوانب الأخطاء والسلبيات.
ان مقولة عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه «لست بالخب ولكن الخب لا يخدعني»، يجب ان تكون واضحةً في اذهاننا، راسخة في عقولنا، مطبقة في واقعنا، فنحن نكره الخداع، ونأبى وسائله لان ديننا نهانا عنه، ولأنه ليس من شيمنا، ولكننا ايضاً نأبى الانخداع، ونكره ان نكون كالريشة التي تطير بها الرياح حيث تشاء.
بامكاننا - نحن ابناء هذه البلاد - ان نصحح اخطاءنا - وان نكون جادين في ذلك، حريصين عليه، ومع ذلك فنحن قادرون - باذن الله - على تحديد المواقف الصحيحة في مواجهة الازمات، وعلى الوقوف في صف اخواننا من المسلمين في كل مكان قريباً كان ام بعيداً. ان الجسد الواحد الذي قام في هذه البلاد المباركة علي دعوة التوحيد، هو الصدر الحنون الذي يشعر بمشكلات المستضعفين من المسلمين في كل مكان، وهو المأوى الذي تأوي اليه قلوبهم، وتتجه اليه نفوسهم حيث تقع قبلة المسلمين، والمشاعر التي يزورونها كل عام في اعظم تجمع مبارك يعرفه العالم.
في هذه البلاد مصدر الاشعاع الذي يضيء سراديب الحياة المعتمة، ولذلك فان علينا نحن العبء الاكبر في الحفاظ على هذا المصدر من حيث التزامنا بمبادئ شرعنا الكريم، ومسؤوليتنا في رعاية احوال المسلمين والسعي الى رفع الظلم عنهم، ومن حيث الوقوف في وجه دعاة الفرقة والخلاف والتنازع.
يجب ان نقضي على ما قد يصيب النفوس من امراض الشك، والريبة، وسوء الظن، وضيق الافق في النظر الى الازمات والاحداث والمواقف والاشخاص.
نحن أدرى بما لدينا، فلماذا الانسياق وراء المغرضين.
اشارة:
لله ارضك والسماء فارفع اليه يد الرجاء الكون ملك إلهنا فعلام تخشى الادعياء؟
|
|