نجحت الجمعية السعودية للاعلام والاتصال في تنظيم منتداها الاعلامي الاول: الاعلام السعودي.. سمات الواقع واتجاهات المستقبل، ومصدر نجاح المنتدى هو الثراء الفكري الذي تميزت به الدراسات المقدمة، والشخصيات الاعلامية البارزة التي شاركت بأوراق علمية منوعة.
وقد لا اضيف جديدا اذا اكدت انني متفائل جدا بما يمكن ان تسهم به هذه الوليدة الجميلة لتطوير واقع الاعلام السعودي، ومن ابرز مؤشرات ذلك التفاؤل: وضوح رؤية الجمعية واهدافها ونشاطاتها الشاملة التي عبرت عنها على لسان رئيس مجلس ادارتها د. علي القرني وهو اكاديمي مخلص ومهني متحمس وباحث متمكن.. وفوق كل ذلك مثقف واسع المعرفة وصاحب اخلاق رفيعة مكنته من بناء قاعدة علاقات عامة عريضة، خاصة في الوسط الصحفي.. هذا بالاضافة الى اعضاء الجمعية المتحمسين، حيث ظهر ذلك في مستوى التنظيم الذي رأيناه في المنتدى الاول، وتمكن المنتدى من استقطاب رموز اعلامية لها بصمات واضحة.
وقد لاحظت من خلال متابعتي لمعظم جلسات المنتدى غياب واضح للاعلاميين المهنيين، سواء كانوا في الاعلام المقروء ام المسموع ام المرئي، باستثناء بعض الزملاء المهنيين الذين عرضوا اوراقهم القليلة الى جانب زملائهم الاكاديميين في جلسة واحدة ثم غادروا المنتدى.. واظن ان هذه المشكلة ستظل تقابل الجمعية في مستقبل مشاريعها الواعدة، كما لاحظت خلو معظم الجلسات من المداخلات الجادة، واستأثر المنتدون بأوراقهم البحثية الاكاديمية.
وفي الوقت الذي لا اقلل فيه من قيمة البحث العلمي واهميته بوصفه منطلقا صحيحا للتطوير الذي ننشده دائما، الا انني اعتقد اننا بحاجة في اللقاءات القادمة الى الحوارات المباشرة والصريحة والى المكاشفة والثراء الفكري المنطلق من تكثيف عرض التجارب الحية، والشواهد المحسوسة، فذلك - في ظني - اكثر فائدة، للخروج على النص الاكاديمي التقليدي المتعارف عليه.
لقد خلا المشهد الاعلامي في اكبر تظاهرة اعلامية في المملكة من الحضور المهني الذي نطمح اليه، ولعلني اجد تفسيرا منطقيا لذلك وهو: الهوة البائنة بين بعض الاكاديميين والمهنيين، مما ولد شعورا عند المهنيين استطاع ان يغيب الدافعية للحضور التي لن يثيرها بحث صامت من اكاديمي يخاطب اكاديميا مثله، حتى يخيل للمتابع اننا نتنقل من حلقة دراسية الى اخرى، يلقي فيها الاستاذ محاضرته ثم ينصرف، والفارق الوحيد هو ان الجميع على درجة واحدة من العلمية، والجميع يعرف النتيجة سلفا، والجميع يدرك حجم المشكلة في كل محور طرحه اللقاء.. ويبقى السؤال المطروح دائما: كيف نتصرف؟!
ان هذه الرؤية التي خرجت بها لا تناقض على الاطلاق اعجابي بمعظم الاوراق المطروحة - كما قلت سابقا - ولكن في ظني انه كان يمكن ان يبدأ المشاركون من حيث انتهت اليه دراساتهم، لنضع الحلول ونتحاور حول «آليات التنفيذ» ثم ننطلق ونتابع بحماس وطني - قبل كل شيء - وصولا الى التغيير المأمول، لكن الذي حدث على العكس تماما، فنحن نستمع الى ما بين «5-8 محاضرين» في جلسة واحدة، وتختتم الجلسة دون ان يستطيع المحاضر نفسه اكمال رؤيته، ومن ثم اقفال باب الحوار، ونبقى في دائرة التوصيات المكررة، بينما كان يمكن ان يوحد المحاضرون في كل جلسة جهودهم للخروج برؤى مشتركة، يصوغها الجميع، وتعرض في دقائق معدودة - خاصة ان المحاضرين يناقشون محورا مشتركا - ومن ثم اعتماد التوصيات كمشروع عمل نبدأ بعده في اتخاذ خطوات التنفيذ.
استطيع ان اسرد الآن الواقع الحقيقي للاعلام السعودي، بوصفي متابعا وممارسا، بل يستطيع رجل الشارع العام ان يتحدث عن جوانب القصور دون ان يكلف نفسه عناء الرجوع الى مصطلحات علمية في بحوث الاكاديميين.. واستطيع - قبل ان اقرأ البحوث - ان اذكر توصياتها وتقييمها للواقع ا لاعلامي، دون الدخول في ردهات خطوات البحث العلمي، ابتداء من المقدمة والمشكلة والاهمية مرورا بالفرضيات والتساؤلات والمقاييس وصولا الى النتائج ومناقشتها، ولكني اقف متفكرا في سبل وضع آليات عملية واضحة لتنفيذ ما اوصينا به في اطار محاسبي مسئول.
وهذا ما غيبه الاكاديميون في بحوثهم.. اذ خلت معظم البحوث من تحديد آليات التنفيذ، وهذه هي المشكلة الحقيقية.. بينما لو اتاح رؤساء تلك الجلسات الفرصة للحوار والمناقشة واستعراض التجارب، واستطعنا ان نقنع المهنيين القياديين للمشاركة بفاعلية في المنتدى من مثل: رؤساء تحرير الصحف ومديري التحرير فيها ورؤساء الاقسام.. علاوة على القياديين في القنوات التلفزيونية، والمسئولين عن الفترات الاخبارية، والدراما والبرامج.. وكذلك القياديين في الاذاعة كمشرفي الفترات والمسئولين عن البرامج.. لربما كانت النتيجة افضل.
اعرف سلفا دون الرجوع الى توصيات البحوث ان الاعلام السعودي في المملكة قطع مرحلة تاريخية مشرفة، وانه يحتاج الى مزيد من التطوير.. مع التأكيد على الالتزام بالثوابت!!.. وان الصحافة الالكترونية لن تلغي الصحافة المطبوعة لان التجربة لم تنجح بشكل كامل في دول متقدمة تقنيا، ولكنها ستؤثر بطريقة ما!! وانه يجب توظيف الانترنت هذه الوسيلة الاعلامية العالمية الجديدة في العمل الاعلامي عامة.. وايجاد مخرج لاكاذيب وافتراءات ساحات الانترنت!!.. وان الاعلام في المملكة لم يتعامل بشكل فاعل مع احداث الحادي عشر من سبتمبر، واننا بحاجة الى فعل استراتيجي مناسب لايصال صوت المملكة الى العالم!!.. واعلم تماما ان مستوى الاقبال على قراءة الصحف اجمالا ضعيف وان الصحف يجب ان تهتم بتوفير حاجات القراء!! وان الصحفيين بحاجة الى تدريب مكثف، ولم تنس احدى الاوراق ان تؤكد على اهمية انشاء قنوات متعددة تمشيا مع موقع المملكة الريادي في العالم الاسلامي، وانسجاما مع ثقلها التاريخي والسياسي!!..وان المرأة تميزت ايضا، وانها تفوقت على الصحفي الرجل في بعض الجوانب، ولابد من ان نشجع الصحفية السعودية المتميزة!، واننا نضيق بالرأي في ظل الانطباعية والانشائية السائدة في بعض صحفنا التي تفتقد جزءا مهنيا مهما.
كل هذه النتائج معروفة سلفا، وليست بحاجة الى التأكيد عليها، لاننا ندركها من خلال المعايشة، ومن خلال الكتب والدراسات العلمية السابقة.
لكني كنت اتمنى ان تحدد بعض الاوراق آليات واضحة لتنفيذ ما اوصت به، وان يخرج الاكاديميون من عباءاتهم الخطابية الانشائية. لقد كان من الممكن ان يكون اللقاء اكثر جدية وفاعلية لو اجبنا عن السؤال الجدلي «كيف نطور؟! وكيف نغير؟! ومن يعلق الجرس؟!».
كنت اطمع ان تشارك الامانة العامة للمجلس الاعلى للاعلام، للاجابة عن سؤال وطني كبير هو: ماهي مهام المجلس بالتحديد؟ وماذا قدم خلال تاريخه الطويل من مشاريع وطنية؟ ولا اريد ان تتحدث عن: اعادة طباعة السياسة الاعلامية، او انه مول عدة دراسات علمية، او انه ينظم وينسق ويقترح ويحضر.. وغيرها من العبارات الواسعة والمهام التقليدية - وان كنت لا انكر جهود المسئولين في الامانة - الا اننا نريد ان نسمع توضيحا منطقيا يوضح: ماذا فعل المجلس لتوضيح الصورة الذهنية لدى المواطن الآخر تجاه المملكة وشعبها وسياساتها على خلفية احداث الحادي عشر من سبتمبر ان كانت هذه من مهامه؟ وان يسرد لنا خططه الاستراتيجية للتطوير؟ وان يوضح متى عقد المجلس آخر جلسة له؟ وكيف يناقش مشاريعه وبرامجه؟ وهل تنظم الامانة العامة اجتماعات دورية محددة للاعضاء؟ وان تجيب امانته العامة عن موقف المجلس من تجاوزات واخطاء بعض الصحف والصحفيين؟ وان تحدد ما يمكن ان يسهم به المجلس لدعم الجمعية.
تمنيت لو رأيت مسئولا قياديا من وزارة الاعلام يخبرنا: لماذا لم تستثمر امكانات الوزارة الفنية لاطلاق قنوات تلفزيونية جديدة تنافس مثيلاتها الفضائية وتخاطب الآخرين بلغاتهم كما خاطبونا هم بلغتنا؟
وان يطمئننا المسئول عما اذا كانت الوزارة قد اعدت خطة طوارئ اعلامية متناغمة مع ظروف الحرب التي تعيشها منطقة الخليج.
تمنيت لو رأيت الصحفيين الميدانيين، وهم يتحدثون عن همومهم وتجاربهم وطموحاتهم وآرائهم الميدانية بشفافية.. ويحددون ماذا يريدون لينهضوا بواقع العمل الصحافي المحترف لدينا الذي يعتمد على ما تجود به ادارات العلاقات العامة في الجهات الحكومية؟
وودت لو حضر كتاب الزوايا الثابتة، ونراهم يتحدثون ويناقشون، بحضور قياديين في الجهات الحكومية والخاصة التي تتشكى معظمها من تجاوزات واخطاء الكتاب وانتقاداتهم دون المام حقيقي بالواقع.
ان هذا الاغتراب البائن بين الاكاديميين والمهنيين يحتاج الى لفتة مهمة، وقد تخصص له الجمعية لقاء خاصا، ولكن بجهود اقل بكثير مما رأيناه في المنتدى الاول، الذي عرض فيه اكثر من خمسين بحثا، وحاضر فيه جل الرموز الاعلامية، وهذا وان كان مكسبا مفيدا جدا للجمعية في بدايتها - الا انني افضل اختصار الجهود الى ادنى حد ممكن، وتوسيع دائرة النقاش، وعرض التجارب، مع التأكيد الشديد على اهمية تواجد كافة الاطراف المعنية.
وحتى لا اكون انطباعيا ايضا بطرحي افكارا انشائية دون ان اقترح آلية عملية للتنفيذ.. فاني ارى ان يؤجل المنتدى توصياته، ويتم تشكيل لجنة لوضع التوصيات، وتحدد اللجنة آلية لتنفيذ كل توصية على حدة، وان تكون الآلية واضحة ممكنة التطبيق، ويؤخذ رأي كافة الاطراف المعنية، على ان تختصر التوصيات الى ادنى حد ممكن، وتركز على المشاريع الوطنية الكبرى ، ثم ترفع الى سمو وزير الداخلية بوصفه رئيسا فخريا للجمعية ورئيسا للمجلس الاعلى للاعلام، لاستصدار «قرار» بتنفيذ التوصيات، ويأخذ ذلك القرار شكله الالزامي المحاسبي، ويحدد لكل مشروع مدة زمنية ثابتة لتنفيذه.
|