عندما غزت القوات العراقية في مطلع التسعينيات دولة الكويت، اتفق العالم على تجريم الحدث واعتباره خروجاً على الشرعية الدولية وهتكاً صارخاً للمبادىء الانسانية.
كما تسابقت المنظمات الدولية وفي مقدمتها مجلس الأمن والجامعة العربية الى الاجتماع لإدانة الحدث ولاتخاذ التدابير اللازمة لكبح جماح المعتدي ولتحرير دولة الكويت من الاحتلال العراقي. كل هذا كان تحت مظلة الشرعية الدولية وتحت غطاء المبادىء الانسانية التي تفتخر الدول الغربية وفي مقدمتها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بمحافظتها عليها والدفاع عنها بغض النظر عن الاعتبارات الاقليمية والانتماءات الدينية والمذهبية. كل هذا كان يحدث ونحن كعرب ومسلمين نصفق لحماة الشرعية الدولية والمبادىء الانسانية الذين ضحوا بأبنائهم المساكين من أجلنا وأنفقوا الأموال الطائلة في سبيل اعادة الحق الى أشقائنا الكويتيين.
واليوم تتعرض العراق الشقيقة الى اعتداء صارخ وانتهاك فاضح من قبل دعاة التحضر والانسانية الذين قذفوا بالشرعية الدولية في مزابل التاريخ تعظيما لمصالحهم الاقتصادية وحفاظا على مكتسبات شركاتهم العملاقة. اليوم أيها السادة يتسابق العالم المتحضر الى اقتسام التركة قبل تحضير الجنازة دون مراعاة لمشاعر العرب والمسلمين الذين وجدوا أنفسهم أمام هول الصدمة بلا حراك مفيد وبلا سلاح فاعل يجنب أطفال ونساء العراق نيران العالم المتحضر. اليوم أيها العربي المسلم تشن الحرب على العراق الشقيق خارج اطار الشرعية الدولية ومع كل ذلك تتعطل كل قوى الأمم المتحدة ويصمت مجلس الأمن وكأن الشعب العراقي لا يستحق حتى كلمة ادانة للغزاة. اليوم يدان العراق على اظهاره للأسرى المعتدين على شاشة التلفاز ولا يدان الغزاة على قتلهم للأطفال والنساء والشيوخ وعلى تسابقهم للسيطرة علة خيرات ومقدرات بلد بأكمله. اليوم يسجل الغزاة في سبيل سعيهم الى تعظيم مصالحهم الاقتصادية بادرة خطيرة باعلانهم عن عزمهم على اسقاط النظام العراقي بالقوة دون مراعاة لحقوق الشعوب ودون اكتراث بالمواثيق الدولية. لقد سجل الغزاة في هذه الحرب كل جديد حتى أصبح تحرير الانسان لا يتم إلا بقتله وتشريده وبسرقة مقدرات بلده وتدمير مكتسباته التنموية. لقد أسرع الغزاة في كشف النوايا الخفية عندما سارعوا في منح شركاتهم عقوداً لادارة العراق أثناء وبعد الحرب وكأنهم بذلك يؤكدون للعالم سقوط الشرعية الدولية والمبادىء الانسانية في حربها مع الجشع والطمع الاقتصادي. كل هذا يحدث والصمت يطبق على الأمم المتحدة ومجلس الأمن فهل هذا يعني سقوط الشرعية الدولية والمبادىء الانسانية الى الأبد أم أنها ستنهض في المستقبل عندما تقتضي مصالح العالم المتحضر ذلك؟..
أتمنى على العالم العربي والاسلامي ألا يجيب على هذا السؤال ولكن عليه حتماً أن يدرك حقيقة الواقع حتى لا يقع دائماً في فخ الشرعية الدولية الوهمية والمبادىء الانسانية الهشة.
|